مقعد مدرسي بين العدوى.. والموت؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هل ما زال أمامنا وقت لإنقاذ الدخول المدرسي من… الخوف؟
سيبدو السؤال غريبا، أو قل مستفزا.
فالدخول تم.. والأرقام التي أعلنتها الوزارة تشي بأن قرابة مليون يتعلمون عن بعد.
وأن عدد المؤسسات المغلقة، في حدود معقولة..
وأن الهواء يأتي رطبا في هذا الخريف، والدراسة تسير بنصف الأفواج.
ما حقيقة الأمر، فعلا؟
لا شيء غير أرقام تذكرنا بأن الوضع يكاد يُنْسى، مثل موت طائر نادر
مثل وردة الثلج، كما قال درويش..
نتابع في الخارج نقاشا، تطلب رأيا من العلماء ورجال الصحة،
في فرنسا مثلا، أعلن المسجل الأعلى للصحة العمومية.. أن الأطفال، قليلا ما يُعْدون بعضهم البعض، وأن ينقلوا العدوى إلى الراشدين.
وفي الوقت الذي تعيش فيه فرنسا على ارتفاع الحالات، وازدياد الحديث عن موجة ثانية وغير ذلك من الأخبار الصادمة، ترى الصحافة الفرنسية أن الخبر يبعث على الطمأنينة.
كيف؟
فهذا الرأي يعيد النظر في مستوى التشدد داخل المؤسسات، ويعيد تعريف «المخالطة» في الباحة أو الحرم الدراسي..
ونحن بحاجة – فعلا – إلى أن نطمئن، علميا وصحيا على مستقبل الدراسة،
نستقبل الأطفال الذين يتابعون دراستهم..
هل نملك دراسة صحية وعلمية في الموضوع…؟
ليس لنا مجلس أعلى للصحة العمومية،
ولدينا فقط لجنة علمية تتقفى الكوفيد في درجاته الأكثر واقعية، أي المرض والمرضى وأرقام الوفيات..
فهل ستقوم وزارة الصحة بتقديم الرأي في هذا الباب؟
لا أحد سيغامر بأن يطلب منها ذلك، مع الوضع الذي تعيشه والعمل الذي تقوم به..
في فرنسا، اعتبروا رأي المجلس الأعلى للصحة العمومية، خبرا يمكنه أن ينقذ الدخول المدرسي..
نحن سننتظر..
في الوقت ذاته، لن يتغير مركز المدرسة في حياتنا المغربية.
المدرسة، والمنظومة التربوية عموما، من ركائز الدولة الحديثة..
وأخطرما يمكن أن تعانيه، هو أن نعتبرها.. ثانوية في السياق الوطني الحالي.
تأتي بعد الصحة والاقتصاد وأشياء أخرى.. والحال أنه لا يمكن أن نفرغ الدولة من المدرسة،
كما لا يمكن أن نفرغ المجتمع من المدرسة،
بالقياس نفسه الذي لا يمكن أن نفرغ الحياة من سؤال الصحة،
ونفرغ المجتمع من سؤال الاقتصاد..
المدرسة.. هي السلم، وهي الطريق والرابط بين المؤسسة، بمفهومها العام وثقافتها، وهي المشيمة التي تضمن الاندماج في الوطن، وفي مفاهيم مهيكلة كالأمة..
المدرسة بؤرة الأزمة، وأيضا هي الجدرار الذي احتاجته البلاد عندما كانت تريد أن ترد على كل أنواع التشكيك، أو الجهل المركب في قضية الوباء وإنكار وجوده..
المدرسة، هي ما يمكن أن تستطيعه الدول في مستوانا أمام هول الهجوم الإلكتروني، وآليات صناعة العقول، وتقنين المخيال الجماعي، وغسل الدماغ، أو تعطيله لا فرق..
المدرسة، هذا المقعد الهزاز بين العدوى ومخاوف النهاية، هي أحد مقومات ضمان الاستمرار، أيام وبعد أيام كورونا..
والتعليم، في معرض الجواب عن زمن الشك والتوجس وعدم اليقين، نقطة ارتكاز كبرى، تجاوز أعطاب الزمن العابر..
لا يمكن لنا، في عز الأزمة الحالية، أن نختزل الخطر كله في الموت الفردي الذي يصير جماعيا مع تواتره.
هناك أيضا ما هو أكبر من ذلك.. لا يمكن أن نأخذ من المدرسة سوى علم الحساب، لتعداد الموتى، في زيارات جنائزية، نتابعها كل يوم، في امتحان عسير على ما يقع لنا..
لا يمكن أن نخضع المدرسة إلى… التدبير بالخوف!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/09/2020