ملاحظات وسؤال واحد على قرار الجزائر بتعليق علاقاتها مع مدريد‮‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اختارت دولة الجزائر الذهاب بمنطق التأزيم إلى مستوى أعلى، في العلاقات مع الجارة إسبانيا، وقررت التعليق بشكل فوري، لمعاهدة الصداقة وحسن الجوار والتعاون التي وقعها البلدان في 8 أكتوبر 2002، وحددت أبعاد العلاقة بينهما…
قد لا يعدو هذا القرار أن يكون دليلا إضافيا لمن هو في حاجة إلى دليل عن التورط الجزائري في ملف النزاع في الصحراء المغربية، ودليلا آخر يسقط قناع الحياد والمبدئية الذي تدعيه الطبقة الحاكمة، في علاقتها مع الملف، والحال أنه مصيري بالنسبة لها أكثر مما هو مصيري بالنسبة لمن تدعي الدفاع عنهم !
وبالرغم مما سبق، فإنه يستوجب، مع ذلك،7 ملاحظات وسؤالا:
1/ القرار صدر عن مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون، وهو ما يشي بأن دولة الجوار أرادت أن تعطيه هالة كبيرة تذكرنا بالقرار الذي صدر عن نفس المجلس، بخصوص قطع العلاقات مع المغرب…
في المقابل نجد إسبانيا كما المغرب اكتفت بتعبير ديبلوماسي لطيف وطفيف في التعليق على القرار وهو التعبير عن «الأسف».
2/ القرار تزامن مع تشديد رئيس الحكومة الإسبانية على أن الموقف من سيادة المغرب على صحرائه عبر دعم الحكم الذاتي المتخذ في 18 مارس الماضي عبر رسالة إلى جلالة الملك محمد السادس قرار لا رجعة فيه، وهو«قرار الدولة الإسبانية»، وهو ما أحبط رئاسة الجزائر ومنظومتها العسكرية، ومعناه أن
أ: التأكيد الذي قام به بيدرو سانشيز أمام الكونغريس وتشديده على الحديث باسم الدولة الإسبانية أسقط في يد تبون وجماعته، لأن الجزائر لم تكن تسلم به وتعتبر بأن الموقف يتعلق بالحكومة ورئيسها سانشيز، وأن الدولة الإسبانية لها موقف آخر غيرموقف بيدرو سانشيز..! تبون في حواره مع إعلامه قال بالحرف: «علاقتنا مع الدولة الإسبانية ممتازة، ورئيس الحكومة هو اللي عندنا معه مشكلة»…
ب: تبون والدولة الجزائرية والعسكر غذوا الوهم بأن إسبانيا قد تتراجع تحت ضغط تقوم به قوى يمينية وأخرى يسارية متطرفة( وبعض فلول الفرانكاوية والدولة العميقة ) لفائدة الأطروحات الجزائرية، مع اقتراب كل جلسة برلمانية. وقد ذهب التوهيم حدا جعل الناطق باسم الانفصاليين في باريس «آبي بشراية» يعتبر بأن «الاعتراف الإسباني بسيادة المغرب كانت له نعمته وسط نقمته» بحيث تحولت قضية الانفصال «إلى قضية ذات أولوية عند الإسبانيين»…
3/ المبرر المقدم لقطع العلاقات لا غبار عليه، ولا علاقة له بقضية جزائرية محضة، بل القضية الجزائرية الوحيدة الواردة هي .. قضية الصحراء! وقد ورد في بلاغ الرئاسة الجزائرية على صيغة رد فعل على «موقف الحكومة الإسبانية يعتبر منافيا للشرعية الدولية التي تفرضها عليها صفتها كقوة مديرة ولجهود الأمم المتحدة والمبعوث الشخصي الجديد للأمين العام، ويساهم بشكل مباشر في تدهور الوضع في الصحراء الغربية وبالمنطقة قاطبة»!!!
وبالنسبة لدولة تدعي أنها غير معنية بقضية الصحراء، وأن موقفها مبدئي لا غير، تكون الجزائر قد أعطت الدليل، عبر دولة أخرى ومناهضة الصداقة معها وتعليق حسن الجوار معها…غير المغرب !.. وتكون قد أثبتت عبر دولة عضو في مجموعة أصدقاء الصحراء وفي قلب الاتحاد الأوروبي موقعها الفعلي والصارخ في الصراع.
4/ ما لم تستسغه الجزائر بشكل كبير، هو أن تتواصل ورقة الطريق المشتركة بين المغرب وإسبانيا، والعمل الهادئ والجاد في تنزيلها بشكل ناجح إلى حد الساعة، والشروع في الوفاء بالالتزامات الواردة في البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الذي جاء عقب استقبال ملك البلاد لضيفه الإسباني على مائدة الإفطار في رمضان المنصرم، وهو ما أقلق كثيرا دولة العسكر، التي راهنت أيضا على إخضاع مدريد بحرب الغازات والأنابيب.. بَيْد أنها لم تفلح في تكسير الموقف الإسباني.
5/ خطوة التأزيم هاته لم تأت معزولة بل تزامنت مع عنصر آخر، هو المناورات العسكرية بالرصاص الحي في منطقة تندوف، وهو التمرين الثاني في أقل من أسبوع.
وإذا كان الظاهر هو الرد الاستباقي على مناورات «الأسد الإفريقي» بريادة مغربية أمريكية، التي ستجري ابتداء من 20 يونيو الجاري في جزء منها في منطقة «المحبس» القريبة من المنطقة، إضافة إلى رد بعدي على مؤتمر التحالف الدولي ضد الارهاب في مراكش، باعتبار المناورات الحالية موجهة ضد المغرب، فإن الرسائل إلى إسبانيا متضمنة أيضا في ما تعتقده الجزائر ردا عليها… وذلك من خلال مناورات بحرية تمت تحت مسمى ” Hurricane 2022 “، والتي تناقلتها الصحافة الإسبانية وأوردت فيها تصريحات مسؤولين جزائريين.. وتم خلالها إطلاق صاروخ من نوع الصواريخ المستعملة في «حرب سطح البحر»guerre anti surface. وقد تم إطلاقه من غرب الجزائر في منطقة بحرية محادية للمغرب وإسبانيا مع مشاركة الغواصات …
6/ كانت القيادة الجزائرية قد بررت تصعيدها مع المغرب وقطع العلاقات واستدعاء السفير إلى غير ذلك بوجود التصميم العدواني للمغرب منذ.. 1963!
ماذا ستقول عن إسبانيا اليوم؟ وكيف ستبرر كل هذا لرأي عام ما زال ينتظر أن توفر له شروط العيش الكريم والتحليل المنطقي للقرارات الهوجاء مع الجيران غربا وشمالا؟
7/ تأتي هذه المناورات في الوقت الذي تستعد فيه إسبانيا لاحتضان المؤتمر الخاص لمنظمة الحلف الأطلسي / الناتو، في الثلاثين من شهر يونيو الجاري.. وهو محطة أساسية في تاريخ حلف الناتو، من المفترض أن تُحيِّن كل المفاهيم الجيواستراتيجية الجديدة للحلف، أو رؤية 2030، وتقدم القراءة الجيو استراتيجية على ضوء الموقف من الحرب بين أوكرانيا وروسيا، التي ستنظم معها الجزائر في نونبر القادم – حسب روسيا اليوم الرسمية -مناورات مشتركة أرادتها الجزائر على الحدود مع المغرب…! وكانت المناورات السابقة والافتتاحية بينهما قد جرت في أكتوبر الماضي، في منطقة أوسيتيا الجنوبية …موضوع حرب انفصالية في 2008!!!
8/ لقد وضع سانشيز موقف حكومته وبلاده ضمن مواقف عواصم أوروبية وغير أوروبية أخرى وقال مدافعا عن هذا الموقف بأنه ورد «في سياق مواقف الشركاء الآخرين لإسبانيا، ففرنسا تدعم المغرب، كما أن الرئيس الألماني اعترف بان المقترح المغربي جدي وذو مصداقية ونفس الشيء بالنسبة للولايات المتحدة. وهولاندا بدورها قد انضمت إلى هذا الموقف في ماي».
والسؤال هنا: هل ستُعلق الجزائر علاقاتها مع الدول التي وردت أسماؤها؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 10/06/2022