ملك السلام والاصلاح

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يسلم العقل الاوروبي بالحقيقة عندما تكون واضحة في ديكارتيتها الحاسمة، ولهذا يرى الاوروبيون أن ملك المغرب رجل سلام، ويستحق إجماعهم على ريادته في هذا الباب ، وتسليمه جائزة »جان جوريس«، المناضل والمثقف والسياسي والزعيم الاشتراكي المعروف، والذي اغتيل في بداية القرن الماضي، بسبب هويته الدينية وعقيدته السياسية، هو عربونهم على ذلك.
وفي تعليل منح الجائزة، عمد المركز الاوروبي الذي يمنحها، كما تفعل كل المؤسسات الدولية المختصة في التتويج،كما هو حال معهد »نوبل« ، الذي يمنح العديد من الجوائز في العديد من المجالات،بما فيها السلام، ذكر المركز بالجوانب المعتمدة من نشاط الملك المتعدد، لتسليمه هذه الجائزة وتكريسه رجل السنة في مضمار السلام 1202.. وبهذا التعليل نجد أن طيف التقدير الأوروبي لملك المغرب يمتد من العمل الوطني الداخلي، و كل ما له ارتباط بحريات المغاربة وأمنهم والحفاظ على تعايشهم التاريخي…. الى العمل لصالح افريقيا، مرورا بكل مناطق التي للمغرب فيها تواجد..
أوروبا تقرأ المشهد كاملا،
وتقرأ امتداداته وريادة الملك في مجال بناء جزء من العالم الآمن..
وبالنسبة للمغاربة ،فهم يعتبرون روح السلام التي تسود التدبير الملكي لقضاياهم وقضايا شركائهم ثابت ولا يحتاج الى إقرار غيري، ولهم في ذلك دليل واحد وكاف لوحده هو هذا الصبر والسخاء وطول البال مع عسكر الجزائر!
ويكفيهم أن يكون الاوروبيون أنفسهم على ادراك بهذا لكي يجدوا انفسهم في تقديرهم الموقف الحالي في شمال القارة اياها
فالاوروبيون، والمركز الاوروبي يقرون في تقرير منحالعاهل المغربي لجائزة لسلام أن سلوك المغرب السامي «خير رد على تلك الأفكار المجمدة والرجعية التي تتبناها السلطة العسكرية الجزائرية منذ قديم الزمن، الرافضة ليد السلام والتعاون مع جارتها المغرب، والتي حين قبولها ستجنب كلا البلدين الوقوع في ما لا تحمد عقباه، و الغوص بمصير المنطقة نحو المجهول».
ومن جميل الصدف ان هذا التتويج يتزامن ، مع تجديد الولايات المتحدة الأمريكية التزامها بمواكبة الأجندة الإصلاحية لجلالة الملك في مختلف المجالات تشمل حرية التعبير، وتأسيس الجمعيات، وإصلاح العدالة الجنائية، وحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، وشفافية الحكومة…
ان أصعب معادلة، في شمال افريقيا اليوم، وفي الدائرة العربية الاسلامية عموما هو القدرة على الاستقرار، وضمان السلام ومتابعة الاصلاحات.
وفي الكثير من المعادلات الدولية، هناك من يضحي بالاصلاح والاصلاحات لفائدة النجاعة الأمنية او لفائدة الاستقرار.
وبالرغم من أن قضية مثل هاته تبدو مقبولة، فانها عقلانيا غير مستساغة بالنسبة لبلادنا..
وليس فقط تحقيق السلام لبلدنا، بل العمل من اجل السلام في مناطق ملتهبة من العالم، كما هو الامر بالنسبة للشرق الاوسط.
هناك من يفضل أن يكون شاهدا فقط على التاريخ، وهناك من يسعى الى الاستثمار فيه
وهناك من يريد استثمار مزاياه الذاتية للتأثير فيه..
وهذا هو اختيار المغرب، وملك المغرب..
هذه الحقيقة التي يقف عليها الاوروبيون، وقف عليها غيرهم من دول العالم شرقا وغربا..
ان السلام بمعناه الذي يعطيه إياه الفيلسوف سبينوزا »لا يعني غياب الحرب او عدم وقوعها، بل هو مزية،وفضيلة وحالة ذهنية، وإرادة في خدمة الاخرين والثقة والعدالة« وهو بذلك اطار استراتيجي للتقدم والاصلاح.
والملك منذ بداية عهده ربط بين مقومات هذه الاطارات الاستراتيجية وبين العمل الديبلوماسي والتعاون، على مستويات عديدة دينية اقتصادية وسياسية وثقافية، ومن خلال تواجد الجيش المغربي لمد يد المساعدة في بناء السلام او في تقديم الخدمات الصحية اثناء الكوارث والجوائح، أو المساعدة على حل النزاعات ، كما في ليبيا ومالي..
وهو جانب يقول عنه محمد الطوز ييستمد عراقته من تاريخ الدولة المغربية نفسها وكيف استثمر الملك بعدها السلطاني (الامبراطوري) في خدمة الريادة الوطنية، في الاقليم والقارة والعالم.. ومن هنا نفهم لماذا كان جلالة الملك قد ربط في خطابه بمناسبة عيد العرش بين الدعوة الى السلام والعلاقات البناءة، مع الجميع وبين تاريخه العريق…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 24/09/2021