منصات كوارث … للصمود والسيادة والقرار الجهوي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا يمكن الحديث عن منصات المخزون والاحتياطات الأولية بدون العودة إلى مفهوم السيادة في تدبير الكوارث، أو ما برع المشروع في تسميته بـ”تجسيد للنموذج المغربي في الصمود في مواجهة الكوارث”، وإلى الاستراتيجية الخاصة بهذا الجانب، ثم طبيعة القرار الذي يجب أن يُعتمد في هذه الحالة…
وعليه، فإن منصات المخزون والاحتياطات الأولية في مواجهة الكوارث، التي أعطى جلالة الملك انطلاقتها، تستوجب التأطير الثلاثي المذكور أعلاه، انطلاقا من مبدأ أن الكوارث (زلازل، فيضانات، جفاف، وتأثيرات خارجية من قبيل الحروب، الأوبئة… إلخ) لن تكون حدثا طارئا يستوجب تفاعلا طارئا أو استثنائيا، بل لا بد من إدراجها ضمن التخطيط وضمن استراتيجية طويلة الأمد.
-إذ يتعلق الأمر بمشروع سبق للملك أن حدد سياقه وأهدافه وفلسفته، من خلال الخطاب السيادي الذي حث فيه ملك البلاد على معالجة سيادية للمخزون الوطني من التغذية والأدوية والطاقة. وهو مشروع متواتر في الزمن والمكان، ويشكل خيارا استراتيجيا وجوابا دائما في الزمان والمكان، ولا يرتبط فقط بالحالات الاستثنائية التي تخلقها الكوارث.
فقد جاء المخطط ضمن الرد طويل الأمد الذي وضع الملك مرتكزاته عقب كارثة زلزال الحوز، في بلاغ صادر عن الديوان الملكي بتاريخ شتنبر 2023.
وقتها بادرت المملكة إلى التفاعل السريع والاستعجالي مع الحدث، في سياق استباقي ومبادر من طرف الدولة، ومحتضن من طرف المجتمع، وكانت المناسبة سانحة أو صالحة لكي يفكر المغرب فيما هو أبعد، أي في موضع استراتيجية للكوارث.
ومن هنا، وُضعت هذه المنصات كحل استراتيجي، مبني على تفكير مسبق وقاعدة منتقاة في ظروف التفكير الشامل، عقب الأزمات الدولية وكوفيد والحرب الروسية الأوكرانية.
ونفهم من هذه المبادرة أنها وردت تعليماتها في شتنبر 2023، بينما تعود فلسفتها إلى ما لا يقل عن أربع سنوات، في خطاب أكتوبر 2021.
النقطة الأخرى تتعلق بترسيم وتكريس البعد السيادي في تدبير الأزمات، فنحن نذكر أن المغرب رفض آنذاك مقترحات المساعدات والإعانات، إلا ما ارتضاه لنفسه، حسب ما تستوجبه اللحظة، وأيضًا ما تستوجبه سيادته وقراره السيادي (أزمة فرنسا وصلت الذروة آنذاك).
المشروع اليوم يعني وضع اللبنات المادية لما يسمى بالاستراتيجية الوطنية للتفاعل مع الكوارث، وعدم تركها عرضة للعفوية أو الارتجالية أو العمل المناسباتي.
وهو أمر في غاية الأهمية، لأنه يرتقي بالمغرب إلى مصاف الدول الكبرى في هذا الباب، والدول التي تمتد في الزمن وتحافظ على الثوابت في الدولة، ولا تتغير حسب الرياح السياسية أو المعطيات المتغيرة في كل مرحلة ومع كل المتغيرات السياسية أو الانتخابية.
لا يخفي البعد الجهوي في تدبير الأزمات من وراء هاته المنصات، بعد أن أبانت بلادُنا عن قوة عميقة في تدبيرها المركزي، لكنه تدبير لم يَعُد يتماشى مع الخيارات الترابية الجديدة التي وضع أساسها الملك من خلال الجهوية الموسعة.
فالحاضر الآن هو أننا أمام 12 منصة جهوية بقيمة 7 مليارات درهم ما بين البناء والتموين… لكنها تتجاوز ما تم تقديمه في زلزال الحوز، بحيث- إذا اتخذنا زلزال الحوز وحدة قياس-تستجيب المنصات لثلاثة أضعاف (×3) حاجيات الكارثة السابقة.
نحن أمام نموذج للارتقاء بالتدبير الجهوي إلى مستوى أعلى. كما أنه تدبير سيمكن المغرب من التفاعل الفوري، وبدون كثير من الخسارة في الزمن والمجهود، علاوة على تحمّل المسؤولية من طرف الفاعل الجهوي، بما لا يرهنه بالقرار المركزي، والذي لن يغيب بطبيعة الحال كليا، لاسيما في ما يتعلق بالإنقاذ والإسراع بتدخل الوحدات النظامية ذات القدرات المطلوبة بالفعل… إلخ!
وهو خيار آخر يُنضاف إلى تغيير طبيعة القرار في الدولة بخصوص الأزمات التي تضغط، دون البحث دوما عن قِبْلة الرباط في الحل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/05/2025