من رأى منكم الحكومة، لِيدلَّها على محطات الوقود!

عبد الحميد جماهري

لا السلم دفع الحكومة إلى تغيير موقفها من سياسة المحروقات ولا كوفيد فعل ذلك، ولا الحرب فرضت عليها موقفا «إنسانيا» يشعر المغاربة بأن «العدالة في الأسعار» احتمال وارد بشكل كبير في بلادهم..
حتى اللجنة البرلمانية التي كان من المفروض أن تجتمع بدعوة من المعارضة حول الاسعار ، تم تأجيلها..
ومع ذلك، كلما أشار المواطنون إلى الشركات التي أدمنت المال السهل في مجال المحروقات، حدثتهم الحكومة عن الحرب.
بِتْنا نتفق بأن السياسة، كتدبير حكومي مجتزأ من التدبير العام للدولة، صارت في المرتبة الثانية، أو التالية بالتحديد، في انشغالات الراهن، بعد أن قلَّمتْ جائحة الكوفيد 19 وطبول الحرب من اهتمام الناس بجدية ما يدور في أروقة القرار الحكومي…
لا تقليلا من الشأن الحكومي، جوهر الممارسة الانتخابية للسيادة ، بل لأن الانتظارات الشعبية لا يبدو أنها لا تلقى الجدية المطلوبة من طرف الحكومة.
فعندما ينتظر الناس قرارات تخص غلاء المواد الأساسية والمحروقات، ترفع الحكومة أكف الضراعة وتطلب أن تجود السماء بالسخاء في الماء وتجود الحرب بالشح في الدماء لكي تبقى الأسعار في مؤشراتها.
ورثت الحكومة، عند بدايتها، من الأموات المغاربة الذين بلغوا أزيد من 16 ألف فقيد إلى حدود الآن..كآثار بشرية عن كوفيد مؤشرات إيجابية، لم يكن لها امتداد في القانون المالي الذي جاءت به.. ولا أثر مباشر لتحيين ما سجلناه كأرقام قياسية وردت في خطب لملك البلاد.
ورثت المخاوف التي تتكدس في الأذهان والجيوب ومطابخ العائلات كصدى للحرب ولا أحد منا يملك بالتحديد نقطة وصول ما بدأته الحرب وإلى أين تسوقنا بكل ألغازها وكل وضوحها. .
الأسئلة كثيرة: ماذا سيخسر المغربي وماذا لن يربح؟
في حرب الكوفيد 19 أبانت البلاد عن قدرة كبيرة للدولة المغربية، وفي قلبها رئيسها والمؤسسة الملكية، على استباق الحلول، والتقدم بوثوقية وإيمان وطنيين في خارطة أربكت العالم..
وكانت لها آثارها الكبرى على عالم مرتجف وخائف.
وقتها وضع الملك عناوين كبيرة لهذا القلق الوطني، ووضع له أيضا خارطة طريق اسمها طريق السيادة بكل عام والسيادات المتفرعة عنها، وتوفير الاحتياطات الضرورية من الغذاء والطاقة والدواء!
قدرات الدولة الاجتماعية على القيام بمهامها في زمن ما بعد الكوفيد، تتعرض لامتحان كبير تحت نيران الزمن الحربي اليوم، الذي يقترب من سواحلنا وآمالنا شئنا ذلك أم لم نشأ..
من خلال الأسعار في الغاز وفي الحبوب..وفي مواد البناء وفي مواد الحياة اليومية.
لحد الساعة ما زالت النخبة التي تدير الحكومة لم تقدم لنا مشروعا منسجما للجواب، بل تكتفي بدليل/ كاطالوج للإجراءات المتفرعة عن قانون المالية دون نفس سياسي يطالب به الجميع للرد على النوعية الحالية..
كيف للمواطن أن يتابع ما يجري من نقاشات في الإعلام في بلدان الاقتصاديات الكبرى لكي يفهم أن هناك حديثا عن تحديد العجز كحل اقتصادي له حدود ونفس الشيء عن الاستدانة، التي وضعها والي بنك المغرب خطا أحمر..
فالتضخم الذي يناهز 4،5 % يفوق الرقم الذي كان في سنة 2021 غداة الكوفيد وأبسط سيناريو متفائل يحاول أن يقنعنا بهذا الرقم الذي يفوق 5،4 % أما الحقيقة فتتجاوز ذلك..
نتحدث عن التضخم، وهناك الكثيرون منا يرونه انتفاخا في «الحنك» أو اللوزتين، تشبيها لفهم المعنى..
التضخم هذه الكلمة الغامضة والملتبسة في أذهان الناس، هم الذين يدفعون ضريبتها وثمنها القاسي في عيشهم اليومي..
وهو لا يسير بدون صنوه التراكم في العجز العمومي، الذي يتضخم بدوره وينتفخ ويفتح شهية المآسي في أوساط الناس.
بالعودة إلى الشركات التي «أدمنت» المال السهل، في النفط وتوزيعه والغاز، لايبدو أنها ستخضع لأي علاج حقيقي..
ولا يمكن تفسير هذا التساهل في زمن الحرب إلا من خلال التسليم بوجود ضغوط على الحكومة أكثر من أي وقت مضى..
38 مليار درهم كأرباح موزعة بين أربع شركات بدون أن ترد الحكومة، قضية تلامس الوقاحة والمجون في الزمن المغربي الحالي..
وأن يتعالى الرابحون الكبار من الأزمات عندنا بعد تحقيق أرقام قياسية لا بد لهم من المساهمة في تقوية السند السيادي الوطني، وتصليب وسائل السيادة الوطنية، ومنها السلام الاجتماعي!
وأن تتعمد الحكومة التغاضي عن الأزمة التي تلسع الناس، وتشيح بوجهها كلما تعالت الأسعار والصرخات، فهذا سلوك غير سوي حقا، ويبعث إشارات مقلقة عن الجدية التي يجب أن تتوفر لمسايرة البلاد في نجاحاتها السيادية الكبيرة.
لقد تعب الجميع من وضع فيه كل المتغيرات، ولم تتعب الحكومة من إخراج نفس الجواب الذي عاشت به في الأعوام السابقة عليها؟
ما هو الثابت في القضية، يا ترى لكي يظل الجواب ثابتا وكل شيد حولنا يتغير؟
إن الحيرة، ليست جوابا مناسبا في وضعية ما بعد كوفيد وما تحت نيران الحرب وما قبل موسم معرض للجفاف.. هل نعول على رمضان، ربما كي يتحرك وازع آخر غير وازع الحقيقة الاجتماعية الماكرة؟
ربما

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/04/2022