من غير المغرب يستطيع هذا؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قليلة هي البلدان التي تتوسم في نفسها القدرة على خوض غمار عمليات متعددة، في وقت واحد للعمران والإصلاح والحفاظ على القوة الناعمة.
كأن تعالج في الزمن والمكان المناسبين آثار فاجعة الزلزال، وتفتح ورش الإصلاح في مدونة تهم الأسرة، بما قد يحيل عليه من استيهامات وموازين قوة وتناقضات، وتفتح دراعيْها في الآن نفسه لاستقبال العالم على أعلى مستويات، في احترام تام لالتزاماتها الدولية، دون الحديث عن الرهانات الرياضية ذات السقف المرتفع، والتدبير اليومي لأوراش بحجم التطلعات الحضارية…
هنا أصف بلادي
هنا أصف المغرب
فإذا كانت العادة أن تجد البلدان التي واجهت الصدمة، صعوبة في تجاوز الحاجز الذي يرتسم أمامها، الحاجز الجديد الذي تضعه الصدمة أو الفاجعة كأفق غير قابل للتجاوز…
ويكون الشلل هو الذي يصاحب عادة المجتمعات أو الانكفاء على مشاريع ترميم القدرات الوطنية لكي تحافظ على حدها من التطور الذي وصلت إليه، إن لم يكن أقل، فمن حقنا أن نسأل:
من ذا الذي يعطينا الآن بلدا يستطيع، وهو في طور ترميم ترابه ونفسيته وجسده، من زلزال هائل، يستطيع أن يفكر وينتج ويشتغل في مجالات متعددة، حد التطابق حول فكرة الاستمرار والإبداع والتجاوز؟؟
هناك هذا المغرب الذي يهمنا…
المغرب، بعد ثلاثة أسابيع، وما زالت أطراف جباله وسهوله دامية في الحوز والأطلس الكبير، يشعرنا بأننا تجاوزنا مناخ الكارثة..
أولا: بتوفير ما يجب توفيره لمواجهتها ذاتها، ووضع خطة تتجاوز الوضع الذي كانت عليه المنطقة، ثم فتح أفق آخر، ولم يكن غائبا ولا كان في طي اللامفكر فيه، لكنه وجد في الزلزال مناسبة للتجاوز واجتراح المعجزة وتطويق الانكسار بما يلزم من دوافع النجاح…
ثم: بالانفتاح على ما كان مقررا بدون تقليص أي نشاط من نشاطات الدولة أو المجتمع، اللهم إلا ما كان في عداد مظاهر لا تليق بزمن الفاجعة…
لعل الذي يتحكم في الإرادة الملكية اليوم، كما في تجربة الميناء المتوسطي، كما كتب السيد محمد الطوزي، هو المغرب كوحدة سياسية والوطن كمجموع خصائص محلية، أو أوطان صغيرة بلغة الطوزي، petites patries..
في قلب هذه المهمة البنائية إذا شئنا التعبير، هناك امتحان آخر يتمثل في المؤشرات الاجتماعية للمنطقة، والتي تعرف وضعا خاصا بالمرأة المغربية يختلف سلبا حينا وإيجابا أحيانا، عن التطور الحقوقي والمجتمعي للمغربيات في مناطق أخرى…
وما يجعل المغرب اليوم كله أُفقَ ما هو قابل للتفكير، وما يمكن التفكير فيه، في علاقة بالزلزال والإصلاحات الكبرى..
هناك على المستوى الداخلي استئناف ورش إصلاح المدونة من أجل تجويد إطارها الواقعي والقانوني، وهو تفكير وعد به ملك البلاد، ولم يؤجله بفعل الكارثة ولا وجد مبررا في تعطيل عقارب ساعته، بل تسارعت الساعات لأجل إنجاح هذا الورش. ولعل من المفيد القول إن الانتقال ببلاد إلى مرحلة متقدمة من إصلاحها، يتزامن مع كل فاجعة ، كما في الضربة الإرهابية لـ 2003، والتي لم تشل دينامية الإصلاح التي بشر بها الملك في أول خطاب له …
إلى ذلك يحافظ المغرب على جاذبيته، ويزكيها باستقبال القمة المالية وقمة الأعمال في مراكش، مراكش ذاتها التي كانت هدفا للتسديد في القصف الذي تعمدت بعض منابر السوء التشهير بها إبان الزلزال وتقديمها مدينةً يغادرها السياح والسكان على حد سواء…
في مراكش سيلتقي 14 ألف شخص، يمثلون 190 دولة ليناقشوا أسس بناء مالي واقتصادي جديد، ونتصور أنها لحظة ( سنعود إلى ذلك) لا تشبهها سوى لحظة احتضان «الغات»، أو منظمة التجارة العالمية كما ستسمى من بعد، والتي أعادت تأسيس الاقتصاد العالمي على ضوء متغيرات حاسمة فيه، منها انهيار الشرق السوفياتي …
مراكش نفسها التي تحظى اليوم بتزكية رجال المال والأعمال، هي ذاتها التي تحتضن مؤتمر التغذية العربي، وكانت قبل أيام قليلة قبلة الهيدروجين الأخضر العالمي…
ليس في الأمر إرادة تسويق محصورة في تقديم دولة قادرة على إنجاح الحدث والدولة الحدثية l’Etat événementiel ، بل هو عربون »صنع في المغرب الذي يجد مجالا آخر للنجاح وإثبات قدرة البلد المعني…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 03/10/2023