من لا سفينة له لا بحر له!

عبد الحميد جماهري
تلزمنا سفننا لكي نحلم بالبحر وفيه.
نعرف ذلك من عهد الأوديسة، وزوارق الملحمة المفقودة.
نعرف ذلك من عهد سفن طارق
وسفن أخرى تطبع مسيرة حياتنا في المتوسط…
واليوم، يعود سؤال بسيط للغاية، لبلاد ببحرين: هل نملك أسطولا بحريا للنقل والتنقل، لا سيما في ظرف كهذا ؟
فمع توالي الأخبار ذات الصلة بنقل أبناء مغاربة العالم، استبد بي حنين مغرض، قاهر ولا يخلو من الغضب، مشى بي ومشيت به إلى السؤال التالي: ماذا لو أن شركة ««كوماناف» »للملاحة البحرية المدنية لم تخوصص واحتفظت بأسطولها المغربي، في زمن تزامن فيه الوباء والجوار الصعب، كجوار بين قدر رباني وبين عناد البشر «؟
لقد تمت الخوصصة بدفتر تحملات وقتها لم يحمها من الإفلاس بعد أن صارت خاصة..
واليوم، يطرح علينا عنوان كبير، يفوق إجراءات النقل إلى توفير أسطول بحري يكون مفخرة وطنية، ولا سيما مع ما نملكه اليوم من بنيات مينائية ذات صيت عالمي وتصنيف دولي…
ولا داعي للعودة إلى سيرة ملتهبة، قضائية ومالية وسياسية وتدبيرية، ما زالت نقط العتمة فيها تعادل عقد المسافات البحرية، بين الحقيقة والتلبيس..
لا داعي للعودة إلى تلك النماذج البشرية التي طفت مع انفجار ملفها قضائيا وسياسيا وتدبيريا، ولا مآلاتها السياسية، التي جعلت منا نماذج في النجومية السياسية، والنجومية المجتمعية، حتى أن بعضها أصبح يتصدر الجرائد المتمردة، كنماذج للثراء، قيل لنا إنه الثراء »الغاضب من التحكم«… قبل أن تصير هي نفسها جزءا من التحكم، وتعود إلى رماديتها الأولى في الغياب..
في جزء من الحل، الذي علينا اتباعه، لحل معضلة الأبناء المغاربة في المهجر وفي العالم، ستمر الطريق عبر مياه المتوسط ..وسيكون المغرب، بدون ربان في هذا الحل، لأن السفن كلها مكتراة، سفن الغير، لا سفينة لنا تبحر بأبنائنا إلى ديارهم…
صناعة السفن خيار قائم وبدأ نشاطه، وهو أفق مفتوح، لكنه، زمنيا، يظل بعيدا عن ظروف الأزمة وتحولات الاقتصاد الأزرق…
المناطق الساحلية تنفرد بأزيد من 50% من مجال الأنشطة الساحلية و90 في المئة من الأنشطة الصناعية ذات الصلة بالبحر، أضف إلى ذلك السياحة الشاطئية التي لا تتوفر على أسطول ينافس دول المتوسط …
ويوجد المغرب في قلب الديناميات المتوسطية والإقليمية ذات الصلة بالبحر، فكيف يكون لنا هذا الموقع، ولنا بحران، ولا سفينة لنا لتمخر عبابه وتنقل أبناءه؟
وحسب الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط، ناصر كامل، يتضح أن موقعنا البحري يفرض علينا إعادة النظر في فراغ مجاله من أسطولنا، وقد صرح في حوار مع وكالة «لاماب»، »بأزيد من 20 بالمائة من التجارة العالمية للبضائع في 2018، تعد السوق الإقليمية البينية للاتحاد من أجل المتوسط إحدى الأسواق العالمية الأكثر أهمية اليوم، بينما تعتبر المنطقة من بين الأقل اندماجا اقتصاديا في العالم». وقد تحسن تنقل الأشخاص داخل منطقة الاتحاد من أجل المتوسط، مع تخفيف إجراءات الحصول على التأشيرات، وإبرام اتفاقيات ثنائية وإقليمية حول الشغل والحركية التربوية.
وقد حضر الاقتصاد الأزرق كخيار استراتيجي رابع في مقترحات لجنة النموذج التنموي الجديد،
وكان واضحا أن الباقة تشمل قطاعات جديدة وأخرى ذات رهانات مستدامة… من قبيل المجمعات الساحلية، بما قد تشمله من أحياء بحرية، وبناء السفن وتربية الطحالب…غير أن القرار السيادي في النقل البحرى لم يسترع منا ما يستوجبه من لوجيستيك في مِلكيتنا، لاسيما مع خطوات كبيرة كتحديد الولاية البحرية ومصادقة البرلمان عليها.
إن السيادة في تحديد الحدود يجب أن تسندها سيادة في امتلاك وسائل التنقل البحري، وهنا يعود الحنين…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/06/2021