من يذكر:«لا تجعلوا لينين خادما عند فرانكو»!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يمكن لإسبانيا أن تشكل نموذجا للجزائر في قرار تاريخي، لتغيير مواقفها من قضايا المغرب في الاتجاه الصحيح، وتاريخ الصراع الذي افتعلته مع بلادنا، حجة ودليل لدعم هذا التحول.
النموذج، هو إسبانيا، التي كانت دولة الاحتلال في الجنوب، كما في الشمال..
عندما بدأت قضية الصحراء المغربية تعرض على المجتمع الدولي، وقفت إسبانيا غاضبة مزمجرة، تهدد المغرب، ولما أصدرت محكمة العدل الدولية في أكتوبر 1975 قرارها الذي يقر بوجود علاقات بيعة (سيادة بالمصطلح الحديث) بين المنطقة والملكية المغربية، سعت إسبانيا الفرانكوية وقتها إلى تأويل معاكس للمغرب، بل هددت المغرب الذي أعلن عن تنظيم المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء، بأنها قد تلجأ إلى الرد العسكري..
مندوبها الدائم وقتها في الأمم المتحدة، سخر في البداية من المسيرة وسماها العبث، ثم انتقل إلى تهديد المغرب إن هو أقدم عليها..
كانت إسبانيا تقول بأن المسيرة تهديد للشعب الصحراوي، وتكلمت عن هذا الشعب، باعتباره من رعاياها الذين تولت قضيتهم!
كان بعض الشباب الانفصالي قد اعتنق النضال اليساري، في وجهه الماركسي اللينيني، وكان البعض منه يبشر ببؤرة ثورية متحركة تنطلق من الصحراء.
وقتها كانت الأقلام الاتحادية تكتب بالبنط العريض:
لا تجعلوا لينين في خدمة فرانكو!
فلا شيء من نبل تقرير المصير في ما وراء الأجمة الانفصالية..
تولت الجزائر بعض المواقف الإسبانية في العهد القديم..
وكما قال ملك إسبانيا السابق خوان كارلوس في مذكراته:مواقف الجزائر سرعان ما أصبحت مواقف البوليزاريو..
ايييه …
وليس العكس
وتحولت إسبانيا جذريا عن الملف وفي الملف وبخصوص الملف..
أصبحت إسبانيا تدعو أبناءها ألا يسافروا إلى تندوف «عاصمة» دولة الوهم!
بعد أن تبنت استراتيجية الشراكة مع المغرب، الدولة القائمة على مرمى حجر والقادرة على تأمين حدود إسبانيا، سواء من الهجرة أو من الإرهاب..
إسبانيا تحذر الذين يتوجهون إلى تندوف، وهي تعرف أن منهم من يساند البوليزاريو في وهمه، لكن منهم أيضا الذين يشتغلون في الحقل المدني والإنساني..
بعض فلول اليسار، لا تجد أية عقدة في الجمع بين لينين وبين فرانكو، ما دام الحنين الاستعماري، يتغذى من نزعات انفصال عن التاريخ وعن العصر
وإسبانيا، بلاده..
الخارجية الإسبانية حذرت رعاياها من «زيارة مخيمات اللاجئين الصحراويين»، هذه الحملة أثارت الهيجان في صفوف الانفصاليين بحيث هاجموا إسبانيا هجوما ليس له مثيل..
ولم يتحججوا في بلاغهم بأي معطى موضوعي ..
إسبانيا التي أصبحت تعرف ثمن الانفصال، لم تتردد في الضرب بيد من حديد في صفوق الداعين إليه، سواء بالحق والقانون أوبالقوة..
وهي اليوم تدري بأن الأوهام لا تصنع استراتيجيات أمام التحديات القوية، وتقلبات الجغرافيا السياسية في جوارها القريب…
هناك مبررات تاريخية وروحية واقتصادية أكبر لدى الجزائر لكي تتحول نحو باتجاه التاريخ، وتكف عن ترهيب مواطنيها السياسيين من الخوض في الموضوع، وإطلاق الحملات المسعورة على كل من استفاق ضميره وأعاد تركيب الأولويات الملحة للشعب الجزائري الشقيق.
لتفعل مثل إسبانيا في الاعتراف بالحق ولتنصت لمواطنيها الذين يخرجون إلى الشارع العام، يعددون على أرصفته أولوياتهم الحقيقية وليست رعاية الأوهام في مزرعة عسكرية.…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 30/11/2019