مولاي الطاهر الاصبهاني: الطائر المغادر

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في يوم العالمي للإعلام،
تأتي المعلومة المؤلمة: مات مولاي الطاهر الأصبهاني.
الموتى لا يصنعون الحدث، إلا إذا كانوا قد وفروا للحياة ما يكفي من العناصر لكي تظل… مصدرا للمعلومات.
ومصدرا لنفسها!
وقد حققت حياة مولاي الطاهر ورفاقه هذا الشرط الضروري لكي تصير بالفعل مصدرا خالدا للمعلومة الفنية والإنسانية والمجتمعية…!
بالنسبة لجيلي، كان مولاي الطاهر، وفرقة جيل جيلالة، عصبة قادرة على التغني بأشيائنا، وهواجسنا..
أحيانا، نعتبر بأنها وجدت كل الأحاسيس التي كانت تختبئ بغموض وجودي مترعا بالأنين، في أعماقنا.
وبإيقاعاتها وكلماتها وترنحات أغصانها، تصف هاته الغابة الكبيرة من الأحاسيس الشابة المتمردة اليافعة.
مازالت الأغاني شابة متمردة جياشة، ولكن القلوب التي نمت بها واحتضنت شتلاتها وفسيلاتها، أي نحن، شاخت وشخنا!
وأحيانا كثيرة كنا نستسلم للإيقاع أكثر مما نبحث عن الأغنية..
وأحيانا كثيرة أيضا كان العكس هو الصحيح، فنعطي الكلمة مدى ثوريا ربما لا يكون في أصلها، كما حدث طبعا، وتوزعها جيل جيلالة والغيوان ولمشاهب.
بعضها تم إنصافه إعلاميا ومجتمعيا في السبعينيات ثم الثمانينيات، وبعضها انتظر قليلا؛
وما بدلوا تبديلا.
جيلنا هيأ الامتحانات على إيقاعات جيلالة وغيرها، وكنا عصبة كما قلت له ذات سهرة: لقد سهرنا كجيل أيام الباكالوريا «على إيقاعات «جيلالة»
وكنا متصالحين تماما مع تعاقدات شبابنا المراهق ثم الملتزم سياسيا: التمرد، والدراسة والقيم مع توزيع الجسد الجماعي على كل الآلات والإيقاعات: وتر وطبلة وبندير و.. وحشرجات من تاريخ عميق، فيه الأندلسي والسوداني والأطلسي وال… والبحري كما القادم من السهوب.!
لست واعيا بالكيفية التي تحتفظ بها كلمة ما من الكلمات بنبرة صوت واحد طوال الحياة: كلمات تنسب طوال الوجود إلى الأصبهاني
عيني تجري بدموع وجمل تظل لصيقة في النبرة والحبال الصوتية بعمر السيد وثالثا بالسوسدي ولا تخرج من هويتها ومن فونيمها حتى ولو قالها فقيه من بعد..!
كانت الأغنية مقالنا الصحافي في زمن ما، يوحد الأمم حولنا وحول اسم المغرب، ويفتح الشهية لآخرين أن يكونوا مثلنا:جيلالة من الجزائر وغيوان من تونس وتكادة من ليبيا.. وهلم توزيعات ورقصا وغناء باكيا تارة وواثقا من سعادته تارات أخرى..
من سعادتي التي أعود إليها أن أتيحت لي مراسلة مولاي الطاهر، كما مولاي عبد العزيز كما العزيز عمر، كما السي محمد السوسدي..
في الممرات المضاءة للجريدة، بخصوص زملا وإخوة أسعفوني في لقائهم (بعضهم ما زال يواظب على هذا الحب مثل العزيز رياض) كما في المقامات التي قادني اليها الأدب أو العمل السياسي (وأشكر من سهر على جمعهم. ذات مهرجان فني جهوي العزيز ميلود مسناوة) ولعلي لن أفي الاتحاد الاشتراكي، المدرسة والفكرة والعلاقات والجريدة، ما يكفي من الشكر لأنه أتاح لي عمرا كافيا للقاء هؤلاء، مجاورتهم في تجربة صنعت بصمة مغربية ستطل مرتبطة بالمغرب الى الأبد: كما لو أنها هويته الفنية، وكما لو أنهم جلد الصوت وبشرة النغمة، هولاء هم كبار هويتنا.
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 04/05/2023