مونديال قطر: صورالفرح و……نظاراته! 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

هل كان مطلوبا من قطر أن تتحلل في «كونية غربية» وتذوب في عالمية غير ذات معنى ولا ملح ولا طعم، أم كان عليها أن تحتضن العالم في قطعة ضوء، كبيرة، جزء منها يحمل الموروث المادي واللامادي لقطر وجوارها العربي الإسلامي، ويحمل تنوعها وتمزقها بما يجعل العالم فعليا «بابل» كبيرة ومبنية لا يكون البلد المضيف لها مجبرا على حمل قناع يزول بعد شهر ونيف من التباري الرياضي!
هناك حقائق لا يمكن القفز عليها، عندما يكون مطلوبا من العالم أن يؤمن حقا بالحق في الاختلاف، ليس لطرف دون طرف بل حق الاختلاف لمكون حضاري كبير ضمن تشكيلة العالم الكبرى..
لم يحاكم الغرب قطر وحدها بل سبق وحاكم الصين وحاكم روسيا، كلما انزاح المركز الدولي، كرويا أو سياسيا، نحو الشرق أو تنوعت الكرات والملاعب: كرة في ملاعب السياسة وأخرى في ملعب الثقافة وثالثة في ملاعب الرياضة.
لقد جعلوا من مهاجرين بسطاء أكباش فداء، كلما كانوا من شرق بعيد أو جنوب سادر في الأدغال، وجعلوا له وِفادة نبوية إِن جاءهم من أوكرانيا..
وليس استثناء أن يتحول النقاش الحقوقي إلى ضده، كلما كان الغرب موضوعه في بلاد الآخرين.
لا يمكن أن يحضن العالم نقاشات لم يطرحها على نفسه، فقط لأنها غربية متزامنة مع المونديال: لكل موضوع ملاعبه ولا مزيج بين الأقدام!
وقد كان من المفيد أن يتحدث جياني انفانتينو، وأن يتحدث بلسان أهل الكرة والأرض، ينبه الغرب إلى تناقضاته عند الحديث عن انتهاك الحقوق الإنسانية.. وكان من الظاهر أنه فرض عليه أن يلعب في ملعب التاريخ، بعد أن تجاوز آخرون خلط الأشياء (باسم العمال أو باسم الأقليات أو باسم الترف الرياضي) ولعبوا في ملعب الحقوق لعبا غير نظيف.
لا تحتاج قطر إلى دفاعي، في الواقع وإن كنت أعتبر بأن صورة أميرها وهو يقفز فرحا كافية عندي لكي أدافع عنه فخرا واعتزازا، وعندما أضيف موقف بلاده من وحدة التراب الوطنية وإعلانه الصريح عنها، أزيد فعلا اقتناعا بأن نظاراتنا لرؤية العالم والحكم عليه ستظل هي الصحراء ..
ومن الأشياء التي ميزت قطر، ربما أكثر من مونديالات غيرها، هو الإحساس الشعبي العام، بفروعه الثلاثة:
– الانحياز التلقائي إلى الفرق العربية.
– الانحياز التلقائي والواعي في نفس الوقت إلى الفرق الإفريقية.
– الانحياز إلى من انحاز لنا ودافع عنا، كما هو حال مساندة المغاربة للولايات المتحدة ضد إيران.
للفرح أسلوب المؤرخين في تسجيل العابر والتقاط الدائم من الأحداث، والفرح أيضا أسلوب قارئات الكف في تعريف الهوية على ضوء الانفعال، على هامش مباراة للقدم.
للمونديال أيضا قدرة الطبيب الجراح، الذي ينظر طويلا إلى الجسد المغاربي المريض، وقدرة التنويم المغناطيسي الذي يدفع الدول المريضة إلى الحديث المسهب عن مخاوفها وأمراضها وعقدها وميلها القاتل الذي ربته في الحقد علينا.
لهذا لم نفاجأ كثيرا، كما لم ولن نضطر إلى الاختيار: هل سنكون متشائمين أم متفائلين ونحن ننظر إلى تعبئة جزء من دولة الجوار لمنصاتها الإعلامية لزرع مبيدات الأخوة في ملاعب عشب لم تطأها؟
لنا ما نستخلصه بالفعل من مونديال قطر، ونحن في كامل الطمأنينة والسلامة العاطفية…
نرى ما نريد، من الفرح وما نريد من المسرات الأخوية، نرى بمطاراتنا من نريد من القلوب ومن العواطف ولا نريد أن نرى، عتمات في النفوس الضعيفة!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/12/2022