مياه خضراء و»أوطوروت» بين الأحواض‫:‬ الحل الاستراتيجي للندرة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

في أسبوع واحد تابعنا نموذجين عن الحلول الجدية لمعضلة الماء التي يسير نحوها المغرب، بفضل تحفيز وتنشيط ملكي يحرض على الابتكار والمغامرة من أجل حل معضلة ندرة المياه، بعد أن اتضح لنا بأننا بالفعل قريبون من عتبة الفقر المائي‫. ‬
لم يخف المغاربة بهجتهم ولا اعتزازهم وهم يرون الماء يسيل مدرارا على طول القناة البرية الرابطة بين حوض سبو وحوض أبي رقراق بسواعد مغربية وخبرة مغربية في مجال الهندسة المدنية والبنية التحتية.
لقد تمت المرحلة الأولى من الطريق السيار المائي القاضي بتحويل فائض مياه حوض سبو، التي كانت تضيع بالمحيط الأطلسي، إلى حوض أبي رقراق، من أجل تأمين تزويد محور الرباط- الدار البيضاء بالماء الشروب، وستمكن من تحويل المياه بصبيب أولي لا يتعدى 3 أمتار مكعبة في الثانية، على أن يتم في غضون الأسابيع القادمة الزيادة تدريجيا في صبيب المياه ليصل إلى 15 مترا مكعبا في الثانية‫..‬
وفي نفس الفترة كتبت العديد من المنابر الدولية عن بروتوكول الاتفاق بين موسكو والرباط، والقاضي باستعمال التكنولوجية النووية الروسية في تحلية مياه البحر، وإنشاء وحدات نووية بغرض إنتاج المياه الخضراء‫!‬ هكذا تسمى في بلاغات الأخبار الواردة عن الشركة الروسية «روساتوم» صاحبة المشروع‫.‬
تقول التفاصيل إن الشركة‫ المغربية ‫(‬ماء وطاقة)‬
قد وقعت هذا البروتوكول في 28 يوليوز الماضي، على هامش القمة الروسية الإفريقية، كما أن الشريك الروسي ممثلا في «روساتوم»، المقاولة الوطنية الروسية للطاقة الذرية اكتسبت خبرة دولية عبرت عن نفسها من خلال إشراف الشركة على منشآت نووية في أكويو بتركيا واكطو في كازاخستان¡ ومن مقترحاتها في تفعيل هذا الإنجاز الجمع بين وحدات التحلية والمحطات النووية السلمية، باعتبار ذلك هو الحل المندمج لمعضلة المياه من أجل التحكم في الكلفة وتقليص ثمن المياه الخضراء، التي تمت تحليتها من البحر¡ وللعلم أيضا فإن الشركة الروسية وقعت مع المغرب، في 2022، اتفاق تعاون واسعا شمل من بين قطاعات عديدة، القطاع النووي، يزيد من نجاعته توفر المغرب على اليورانيوم بوفرة مشهود بها دوليا، لتوفره على قرابة 73 ٪ من الاحتياطي العالمي من الفوسفاط.
وعلاوة على أهمية الاتفاق بحد ذاته، يعد هذا مؤشرا على مصداقية العلاقات بين موسكو والرباط، وعدم الانجرار إلى التفاعلات الظرفية على حساب التعاون الاستراتيجي، وسيكون المغرب رابحا من وثوقية الشريك الروسي، كما سيكون رابحا بفضل العمل مع الروس في المجال النووي.
ويفيدنا أن نذكر كذلك أن الجارة الشمالية إسبانيا سبق لها، في يونيو الماضي، أن منحت للمغرب قرضا من أجل بناء وحدات لتحلية البحر لفائدة البلدين..
وهذا الاختيار الواعي بتوفير مصادر مائية من خارج تقلبات الطقس والسخاء السماوي يتطلب سياسة عمومية وخبرات وكفاءات مغربية لا تتأخر في التنفيذ، ونحن ندرك بأن الطريق السيار، كما تحلية البحر، تعطلا أكثر من اللازم، وهو ما يفسر النبرة الحادة في خطاب العرش الأخير، كما نبه ملك بلاد إلى الطابع الاستراتيجي للتدبير المائي، وشدد عليه بالقول»أما في مجال تدبير الموارد المائية، الذي يتطلب المزيد من الجدية واليقظة، فقد حرصنا على بلورة البرنامج الوطني للماء لفترة 2027-2020»، ودعا جلالته «للتتبع الدقيق لكل مراحل تنفيذه، مؤكدين أننا لن نتساهل مع أي شكل من أشكال سوء الحكامة والتدبير، والاستعمال الفوضوي واللا مسؤول للماء»، ولعل الفقر في المسؤولية الذي يحذر منه الملك، هو في واقعه أقسى على الدولة والشعب من جفاف السماء‫، وليس خافيا بأن الإصرار الملكي هو الذي أعطى نتيجة في مشروع الربط بين الحوضين…
لقد سبق للأمم المتحدة أن صنفت بلادنا ضمن خانة الدولة»المهددة بالندرة القصوى في الماء»! وهو ما يعني بأن المعضلة لا يمكن الالتفاف عليها بقوة البيروقراطية وتضارب الصلاحيات بين القطاعات الحكومية‫.‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/09/2023