مياه دافئة تحت جسر العلاقة المغربية – الفرنسية؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
لم تفت المستفيدين من خدمات وكالة المغرب العربي للأنباء، (لاماب) فرصة الانتباه إلى قصاصة من قصاصاتها ليوم الاثنين الماضي، نظرا لفرادتها، والسياق الذي وردت فيه .
كانت القصاصة تنقل خبر نشاط من أنشطة الرئيس الفرنسي، لا يبدو ذا علاقة بالمغرب، اللهم إلا من باب القرابة اللغوية جزئيا.
القصاصة تحدثت عن تدشين »فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية، السيد إيمانويل ماكرون، أمس الاثنين، في فيلير-كوتري، بمحافظة إين، المدينة الدولية للغة الفرنسية، في قصر يعود إلى عصر النهضة تم ترميمه بشكل كامل وخصص لتاريخ وتكون اللغة الفرنسية«.
لغة منتقاة، مفخمة كما تكون عادة اللغة الفرنسية في الحديث عن تاريخ وثقافة فرنسا، ولكنها لغة مدهشة أيضا، تعلن عن تحول في التعامل مع باريس…
لا ذكر للمغرب في القصاصة، اللهم إلا تضمينا من حيث ما قاله ماكرون عن كون هذه المدينة اللغوية الدولية »ستكرم بشكل خاص «وجوها بارزة»للغة الفرنسية : أساتذة وكتابا ومبدعين وممثلين ومشرفين على المكتبات ومترجمين، «الذين ينقلون ويجعلون اللغة الفرنسية تحيا ضمن هذا النبض المستمر«. يمكن أن نستشف بمنطق العلاقة بين العلة والمعلول أن جزءا من هؤلاء مغاربة أَنتَجوا أو أُنْتِجوا داخل رحم اللغة الفرنسية .
القصاصة جاءت بعد تعيين المغرب للزميلة سميرة سيطايل سفيرة لدى بلادنا في باريس.
كان الزمان زمن الزلزال، والمكان قناة «بي ام ايف تيفي» الفرنسية، والمناخ السائد في إعلام فرنسا، مناخ لزرع التشكيك وتعميق الشعور بالدونية والحاجة إلى الرعاية السامية للسيدة فرنسا، والغضب الساطع يعتصر المغاربة الذين منحوا أرواحهم للحزب والتحدي معا.
وكانت جملة بليغة، حادة وجامعة كافية لكي تتحلق حولها الكثير من قلوب المغاربة .. لقد وجدت الأسلوب، والعبارة والنبرة الضروريين لتعبر عن غضب المغاربة من تصرفات الرئيس إيمانويل ماكرون ونخبته الإعلامية إزاء المغرب الذي كان لا يزال يضمد شروخ الزلزال في روحه وفي أرضه، والجملة نفسها عبرت عن روح الأنفة ، بلغة فرنسية ثاقبة.
رأى المشاهدون، نخبة وعامة، ابنة البلد التي تجيد الفرنسية، ابنة المهجر التي لم تفقد شيئا من شراسة المرأة المغربية. تواجه لوحدها ثلاثة أصوات فرنسية على نغم واحد :
في قلب فرنسا باريس، في قلب باريس الإعلام وفي قلب الإعلام التلفزيون، ومن قلب التلفزيون خاطبت قلوبهم
فرفعوها، ولربما عينوها وقتها سفيرة لهم في المشهد الإعلامي المعادي لهم.
عينوها وجاء التعيين الرسمي لترسيم تعيين بصموه بقلوبهم ودعواتهم:
سمعت النخبة تردد مدحها في المقاهي وهيئات التحرير ونوادي التنس والغولف وفي القطارات، فكان تعيينها ردا على فرنسا ومصافحة لها، ورأوا فيها المغربية ابنة الهجرة التي تردع ماكرون في عقر داره!…
وتزامن نشر القصاصة مع التدخل الفرنسي في مجلس الأمن لتفسير التصويت. فرنسا كانت قد التزمت الصمت في أكتوبر2022، عند إصدار القرار 2654، وكان ذلك صمتا ناطقا.
الاختيار الفرنسي في أكتوبر الجاري مع إصدار القرار 2703 ، حمل رياحا جديدة ومياها أكثر جدة تحت الجسر بين الرباط وباريس…
فهو تكلم بلغة قريبة من لغة الديبلوماسية المغربية. رحب بالقرار الأممي، ونبه وحذر المسؤولين عن انتهاك قرار وقف إطلاق النار.، ثم أعاد التأكيد على الموقف التاريخي والمستمر والثابت الداعم لمقترح الحكم الذاتي، معتبرا أن المقترح المغربي المطروح منذ 2007 هو الوحيد الموجود، و»علينا أن نتقدم« ، أي أن ندعو الأمم المتحدة إلى اعتباره قاعدة التفاوض والانطلاق من ذلك عوض انتظار أن يقتنع الطرف الآخر بذلك.
وهو موقف متقدم جدا، بل يكون موقفا يرادف بالفعل ما يمكن أن يكون بالنوايا في بيان البلاغ، ولعله ترجمة شبيهة بالموقف الإسباني المكتوب في رسالة باعتبار أن مقترح الحكم الذاتي هو القاعدة الأساس الأكثر جدية وواقعية وذات المصداقية لحل النزاع، وهي دعوة فرنسية تعني الكثير، وتقدم الحكم الذاتي أرضية لمجلس الأمن للانطلاق في حل المشكل المفتعل بدون انتظار المواقف المعبر عنها من طرف المناوئين له.
يمكن القول الآن إن الموقف الفرنسي طوى حالة الجمود، لكن يبقى مع ذلك »فْتيقة»…ديبلوماسية لتتقدم فرنسا خطوة أخيرة…
كتب العبد الفقير لرحمة ربه، في 04 شتنبر الماضي، أن» إقرار إيمانويل ماكرون بفشله في السياسة المغاربية، هو في الواقع إقرار بفشله في لعبة التوازن المصطنع بين الرباط والجزائر تحديدا.. فبالرغم من محاولات الهروب إلى الأمام، هناك إقرار بالأزمة. والسؤال هو: هل يفعلها ماكرون ويصحح زاوية النظر، ويستجيب لمطالب الطبقة السياسية الفرنسية في تصحيح العلاقة مع المغرب؟
هل يغتنم الفرصة، بعد »تدبير مشترك« لمقترح الحكم الذاتي في هيئة الأمم المتحدة، للانتقال إلى الاصطفاف مع الكثير من الديموقراطيات في العالم ومع الحق المغربي، ويساعد على تسهيل مهمة ديميستورا؟
هل سيفعلها ماكرون بمناسبة الحديث عن مهمة ديميستورا ويدفع باتجاه الحل السياسي على قاعدة سيادة المغرب؟
على كل، هذه العتبة هي المطلوبة، وهو يدرك أن المغاربة ينتظرونه عند هذا الأفق ولطالما خيب أفق انتظارهم؟« وعليه نتساءل مرة أخرى:هل سيفعلها ماكرون؟
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/11/2023