نصف قرن على وفاة ارنستو تشي غيفارا، ومازال هو الوحيد الذي يقطن أغنية!
عبد الحميد جماهري
نصف قرن على وفاة ارنستو تشي غيفارا،
تحولت الإيقونة من مقاتل لخدمة الثورة البروليتارية، إلى مسيح لشباب لايمجد إيديولوجيا،
ويرفض في أحيان كثيرة تعويض الحياة بها..
ولخصت أغنية حزينة، تذاع في حالات عديدة في لحظات فرح غير مفهومة، سيرة القائد، الكومانضانتي..
Hasta siempre Comandante
Aprendimos a quererte
desde la histórica altura
donde el sol de tu bravura
le puso cerco a la muerte.
Aquí se queda la clara,
la entrañable transparencia,
de tu querida presencia
Comandante Che Guevara.
معك إلى الأبد
تعلمنا أن نحبك
منذ السمو التاريخي
حين توجت الموت شمس شجاعتك.
هنا ستبقى الشعلة
سيبقى أفق حضورك الشفاف
أيها القائد تشي غيفارا
لم يبق سوى حلم بلا عنوان إيديولوجي
حالة فرح ثورية بقدرة رجل على مجاورة الموت.. في عزلة ، يا للمفارقة تكاد تكون ميتافيزيقيا!
لم يبق للثوري من الثوار غير
شيوخ لاتينيين تآكلت دولهم وأحلامهم بفعل الرتابة
والخطابة
والرأسمال..
أما الثائر، فقد كان الخاسر التراجيدي في ملحمته الشخصية، الذي غيرته الثورة دون أن تغير القارة، تلك التي تغذى من أعشاب سحرتها ..
في الفارق الزمني بين الحروب الكبرى وبرودة القطبية الوحيدة، أصبحت الثورات عرضة للمنزع النثري، الذي يدل عادة على نهاية الأسطورة، و يعقب الشعري الحالم، بالثورة أو بالإنسان الجديد..
غيفارا هو الوحيد ربما الذي ما زال يسكن أغنية
وما زالت القيثارات ترحب به ملء أوتارها..
الواقع الحالي هو كيف تخفي البشرية خيبتها من أحلامها في واقعية جديدة، تتنصل أحيانا من كل أسباب النظافة وتغرق في اللهاث..
الوقت يلهث مثل كلب، وراء الأولاد الذهبيين في بنوك العالم وبورصاته..
صار اليساريون أكثر معرفة بالبورصة من كل الليبراليين الذين تفرغوا لشؤون الهوية
ونسوا صراع الطبقات لفائدة معلمي الجيولوجيا..
لم يعد الثوريون يبحثون عن أسباب حقيقية للتضحية
أصبحوا أكثر قدرة على مناورة مبادئهم
ولاشك، وأكثر قدرة على التفاوض مع الواقع الرتيب واللذيذ اللامع الذي يبشر بالسعادة المادية..
بعضهم أصبح معتقلا باسم الحق العام، بعد أن فشل في الحفاظ على تراث الاعتقال السياسي..
بعضهم، ترك للدولة فضيلة قيادة الثورات الدينية
والسياسية..
والمجتمعية ..
والصراع مع الفقر…
وفضل أن يقلدها في ماضيها المخزني العفن، طاعما كاسيا، بلا مغامرة إيديولوجية يمكن أن تضيع عليه دخوله إلى العرين…الوثير!
الثوار الجدد، حولوا الغابات إلى منتزهات،
وآخر ما يعلق بالذاكرة عندهم عن ملحمة الغابات البوليفية التي تبخرت أحلامها في الكراريس الهامشية … دليل عن الاقتصاد الأخضر وفوائد الجزر الطبيعي في نقص الوزن!
في ذلك الزمن الغيفاري القديم، كان الثائر يعي بأن الأنبياء هم قادة الثورة الأوائل: لأن منهم الراعي
ومنهم النجار
ومنهم العامل اليدوي
وصانع السفن، في معامل الله الشاسعة..
ويعرف أن التجار هم الذين يقفون في وجه الشعوب.. كما لو أنه يتحدث الآن..
وفي الزمن الغيفاري كان يعرف أن الكثير من الحواريين اليساريين سيخوننه بمجرد أن يسقط كما فعل يهوذا الإسخريوطي مع المسيح
.. وكذلك كان، فتشبه بالمسيح في موته حتى عاده!
نصف قرن على وفاة ارنستو تشي غيفارا،
ومازال هو الوحيد الذي يقطن أغنية!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/10/2017