هذه الحكومة لا بد لها من درس في الليبرالية …!

عبد الحميد جماهري
أتْعبْنا حركية التاريخ، في تجدد الأفكار وفي تطور الدول، حتى أقنعَتْنا بأن الهوية الفكرية أو السياسية لا تُرتجل في لحظة انتشاء مهما كانت مشروعة، أو في لحظة فرح وجودي ولو كانت تحت قبة البرلمان!
ولهذا بدا أن من الخطير أن يعلن رئيس حكومتنا تبرؤه من الليبرالية، ويعلن انسلاخه عنها ، كما لو كان ذلك القرار بيده، مثل قرارات أخرى وردت في تقديم الحصيلة الحكومية.
والحال أن الموقع في لحظات تاريخية بعينها هو ما يصنع هوية الحركة السياسية ووجودها المجتمعي .. والليبرالية لا تصبح سُبة، إلا إذا توحشت، وهي في حركية التاريخ لحظة نبل وقيم. بل إن التاريخ الخاص للمغرب جعلها ضرورية، حتى أنه كان على التقدميين واليساريين والاشتراكيين الوطنيين .. القيام بمهامها لفائدة الليبراليين الغائبين.
ومن حيل التاريخ أنه يصنع تراجيديات مرحة حيث كان على اليسار أن يواجه الدولة الطاعنة في السلطوية والحكم الفردي، وأن يقلم نزوعها بحركتين اثنتين، الأولى هي صناعة الليبرالية وحمل أولوياتها وثانيها صناعة البديل التقدمي والوطني لها!
وكان ذلك في كل مرحلة تتطلب الدولة نموذجا تنمويا جديدا وتعيد التفكير في نفسها..
لهذا يبدو من الضروري درس صريح في الليبرالية للدولة المغربية:
في النموذج التنموي الأول، والذي قاده عبد الله إبراهيم وعبد الرحيم بوعبيد، رحمهما الله، تتحدث حوليات المرحلة وكل ما كتبه الباحثون والعارفون عما اصطلح على تسميته »سيستم بوعبيد«، أي كل الأبعاد والمنشآت والمجمعات »الليبرالية« الاقتصادية في تنزيل الدولة حسب قواعد الاقتصاد السياسي المتعارف عليها دوليا.
وكان على نفس المجموعة أن تحارب كل المسارات غير الليبرالية في الدولة وفي بعض مكونات المجتمع من قبيل الاستبداد والقوة والاحتكار وتبخيس الإنسان واستعباده.. و كان على نفس القوة السياسية أن تحمل كل فلسفة الليبرالية من ديموقراطية واستقلال المجتمع عن الدولة والحقوق الشاملة والفكر ومنظومة التحديث والتنوير والحرية والإبداع…
ظل الوضع على ما هو عليه إلى أن اجتاحت المغرب، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، موجة انكسار. هددت بسكتة قلبية. وكان على القلب أن يظل يسارا، في مكانه، وأن يدافع عن الجزء اليمين من المجتمع، وجاءت الإصلاحات» الليبرالية الثانية« أو المنعطف النيوليبرالي الثاني، في قمة الوجع الاجتماعي وضرورة الإصلاح السياسي .. وغير ذلك من مقومات النهوض في عهد حكومة عبد الرحمان اليوسفي تحت مظلة ملكية مزدوجة، أولها مع الفقيد الحسن الثاني وثانيها مع جلالة الملك محمد السادس أطال الله عمره.
في المرحلة الحالية، لا يمكن أن نتجادل طويلا ونحن في قلب مشروع مجتمعي متوافق عليه.
ليبراليون ويساريون وإسلاميون ومحافظون ومحافظون برجوازيون وصوفيون وأعيان وكل الفصائل توافقت على مشروع مجتمعي يقوده الملك، بعد أن حقق حوله توافقا وطنيا كبيرا وواسعا. وهو يدخل ضمن دينامية واسعة، حضارية قبل أن تكون سياسية قاعدتها التوافقات الكبرى..
وهذا التوافق، يعطي للجميع، ونقول للجميع، الحق في تنزيله، والسهر على تطبيقه وليست الحكومة سوى الصيغة المنتقاة« في تدبير هذا التوافق، والسؤال هو »هل فعلا تنجح في ذلك؟
يتبع
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/05/2024