هل أخطأت الحكومة الدخولَ السياسي لهذه السنة؟ ورقة تأطير الميزانية – الإحصاء – التعديل؟
عبد الحميد جماهري
لا يبدو أن للدخول السياسي ملامح محددة، هذه السنة، أو حتى توقيتا تضبط عليه ساعة الفعل العمومي ! وربما ستكون السنة السياسية الجديدة، قديمة بجدولتها الزمانية، أو لعلها لحظة ما بعد زمانها تماما، إذا صدقنا ما قاله رئيس الحكومة، أثناء تقديم الحصيلة المرحلية: لقد قال ما مفاده بأن الحكومة قد جاءت بما لم تأت به الحكومات السابقة، بل إنها حققت أكثر مما كان منتظرا منها.
وصار من المنطقي فعلا أن نتساءل: ما جدوى دخول سياسي جديد إذا كان توقيت المباراة الحكومية قد انتهى.. بانتصار.. الحكومة بثلاثة أحزاب للاشيء، في الشوط الأول فقط !
الحقيقة، كانت المناسبة الأولى للدخول السياسي، والتي أهدرتها الحكومة تتجلى في المذكرة التأطيرية التي عادة ما تخلق مناخا مساعدا على مسارعة النقاش العمومي. في مجال الترقب السياسي والتطلع إلى ما سيتغير من خلال قانون المالية 2025.
هاته المذكرة لم تنجح في خلق الرجة المطلوبة:
– هناك سبب أخلاقي محض يجعلها تحاول خلق الحدث بما لا تملكه، وأقصد به هنا الحصيلة الملكية العالية لمدة 25 سنة من حكم جلالة الملك محمد السادس.
ومن يقرأ الوثيقة الحكومية لا بد من أن «ينتابه» سؤال بريء: كيف تسهب الحكومة في الحديث عن حصيلة عمرها ربع قرن، وهي لم تساهم فيها سوى بسنتين ونصف أو زد أو انقص منها قليلا؟ الخطاب الملكي الذي تزامن مع ربع قرن من الحكم اكتفى بفقرتين قصيرتين، بالرغم من أن الحصيلة مدعاة للفخر والاعتزاز حقا، كلمات ختمها الملك بالدعوة إلى إبداع الحلول، مقابل ذلك عمدت الحكومة إلى فقرات طويلة تقارب فيها ثلاث صفحات من تقريرها، والأخطر ما فيها هو محاولة تبني الحصيلة والالتفاف عليها ومحاولة الترشيد .
– في الوثيقة شهادة الحكومة ضد نفسها! وضد ما ادعته هي نفسها بخصوص حصيلتها: القائل بحصيلة تفوق الانتظار وتفوق ما هو مسطر، لا يحسن به أن يصدر وثيقة كلها تعبير عن خصاص رهيب في المجالات التي تقول الحكومة إنها حققت فيها المعجزات!
والاعتراف من خلال الأرقام بخصوص ما ينقص المغاربة وبلادهم، يتمثل في مجالات السيادة المائية والأغذية والصحة، التي جعلت منها الحكومة عناوين الانتظارات الكبرى القادمة! ومن ذلك الخصاص في البنايات الصحية وإعادة تأهيل المستشفيات الجامعية أو الإعلان عن أخرى (الراشدية وكلميم) من خلال الخصاص المعلن في الرأسمال البشري.
وفي الوثيقة الدليل بأن الحكومة ما زالت تقدم حصيلتها مع ذلك! علما أنها تغرقها الإنشائية الحكومية والتفاصيل التي تم عرضها من قبل، كما أنها تتضمن «ملحقات» للحصيلة المقدمة في نصف الولاية بخصوص التعليم والصحة !
في الدخول السياسي، تمرين سيادي كبير، هو الإحصاء العام للسكنى والسكان.
والحكومة معنية به، أولا بفصول الرسالة الملكية إلى رئيس الحكومة، وحسب علمنا عقدت الحكومة في شخص رئيسها لقاء يتيما بعد أربعة أيام من الرسالة الملكية (25 يونيو الماضي) وقد مرت شهران والحكومة تكتفي بمتابعة ما يجري، في حين أن هاته المجريات تستنطقها، على الأقل، في نقطتين التزمت الصمت خلالهما:
– عند الحديث عن تفريغ الأقسام من رجال التربية والتكوين، والحملة على هاته الواجهة اعتبرت حملة تخص المندوبية السامية، في حين القطاع هو المعني بالدرجة الأولى بتدقيق المعطيات وحجم المساهمة ومدى تأثير الإحصاء على التحصيل الدراسي.
-وعند الحديث عن الشائعات التي تخص السجل الاجتماعي وما يترتب عن ذلك من تشكيك، والحال أن المندوبية ليست هي المطالبة بالجواب لوحدها بقدر ما أن الحكومة عنصر أساسي في تبديد المخاوف باعتبارها تشرف على المترتبات الاجتماعية لهذا السجل، وأيضا ما يتعلق بالمساعدات الاجتماعية..والصمت الحكومي يحيل على نوع من «التخلص» من الشراكة المطلوبة في خوض هذا التمرين السياسي بامتياز، إضافة إلى أن علاقة الحكومة والمندوبية هي علاقة مشروع مشترك إضافي آخر، يتمثل في التوجيهات الملكية بخصوص إعادة النظر في المندوبية ومهامها في متابعة السياسات العمومية وما إلى ذلك…
النقطة التي كانت تصنع دوما دخولا سياسيا في منتصف الولاية تتعلق بالتعديل الحكومي.. تمرين سياسي أصبح عمره تقريبا ربع قرن، باعتباره ارتبط بحكومة اليوسفي الثانية، هذا التمرين أصبح هذه المرة محاطا بالضبابية وغير قليل من التضخيم في الخطاب حوله بدون رؤيته!
والحال أن بلاغ الديوان الملكي الصادر في أكتوبر عقب تعيين الملك محمد السادس لأعضاء الحكومة، أكد أنه «سيتم تعيين كتّاب دولة لاحقا في بعض القطاعات الوزارية»….
علما أن المقترحات التي تنتظر الدخول البرلماني، الوجه الآخر للعملة، لا تقل أهمية من حيث نقط الأعمال: قانون المسطرة الجنائية، قانون المالية، تمويل المشاريع الكبرى، الاستثمار وتراجعاته و… الفساد والحدث المضطرد عليه، وما يتعلق بالمناخ الداخلي وبالصورة الخارجية للبلاد، وانتظارات الشركاء الدوليين، اقتصاديين أو سياسيين، بعد أن أصبح المغرب أحد العناوين الأساسية في المواجهة العلنية معه…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 31/08/2024