هل تملك الحكومة والنقابات التعليمية وسائل تنفيذ اتفاقهما الذي ترفضه التنسيقيات؟

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

أعلنت الحكومة والنقابات الأكثر تمثيلية في قطاع التربية الوطنية، بغير قليل من السرور، عن الوصول إلى اتفاق بينهما، يقضي بتجميد القانون الأساسي، وتعليق الاقتطاعات من الأجور والنظر في الزيادات في الأجور وإعادة النظر في القانون موضوع الخلاف.
وكان عليها،من باب الأمانة، أن تنصف المعارضة، في أنها سبقتها إلى ذلك بما سبق للكاتب الأول للاتحاد الدعوة إليه، مع ما يرافقه من التزام مساعد يتجلى في الإعلان عن تطبيق المقترحات الحكومية ذاتها بخصوص الرفع من الأجر الذي يمكنه أن يجعل رجل التدريس في مستوى محترم داخل منظومة الوظيفة العمومية..
وهو أمر لم تفعله. في حين أذنبت بالتأخير في الأخذ بالمقترح، ثم أذنبت في عدم الإنصات إلى صوت المعارضة في طريقة إخراج الحل.ثم أذنبت في هدر زمن الحوار اذ لم تباشره سوى بعد اسبوعين من اجتماع اغلبيتها!.
والذي حصل من بعد هو أن الحكومة ستواجه سؤالين رئيسيين هو :هل تملك وسائل تطبيق اتفاقها؟
وهل تملك رأسمالا كافيا من الثقة لكي تحصل على المهلة التي طلبتها؟
مانلاحظه هو أنه ما إن تم تعميم الخبر حتى اعلنت التنسيقيات، القوة الأكثر تأثيرا بالرغم من أنها غير مهيكلة قانونا وسط القطاع، عن رفضها القاطع لهذا الاتفاق، ودعت إلى الاستمرار في الإضراب.
وهو ما ينبئ باستمرار. التصعيد، والانتقال إلى ما يفوق تحمل الإطار المؤسساتي.
نحن أمام معالجة غير مسبوقة تكون فيها الحكومة، كمؤسسة دستورية، صاحبة القرار التنفيذي والمعارضة النقابية، المؤسساتية من جهة والتنسيقيات غير المؤسساتية، (وهذا ليس تنقيصا بل واقع أمر يستوجب قراءة أكثر موضوعية وجرأة) ولكنها قوة فاعلة وقادرة على خلق الأزمة من جهة.
تقابل غير مسبوق، ربما لم نشاهده من قبل سوى في حراك الريف واجرادة وغيرهما.
(ونفتح القوس للإشارة الى أن الاحتقان والإجهاد، انتقل من إجهاد ترابي مجالي في الحسيمة وفي غيرها من المدن، الى إجهاد قطاعي مس التربية والتكوين وهو انتقال في الطبيعة وليس في الدرجة، ويمكن أن يستمر كما استمر غيره من قبل)…
هناك وضع حي ومباشر، وهو أن الحكومة لم تٌقنع بعرضها، الشارع التعليمي العمومي، ولا يبدو أنها تملك وسيلة إقناع الى حد الساعة.
أولا، يتضح أن النقابات لم تغامر بالدعوة إلى استئناف الدراسة، لأنها تعرف أنها ليست صاحبة قرار. الإضراب لتلغيه.
وتشعر ربما بأنها غير قادرة على المغامرة بالاصطفاف الكلي مع الحكومة، التي راكمت الكثير من الهواية في تدبير ملف صعب ومعقد.
ثانيا، لا يبدو أن الحكومة قادرة على إقناع الجالسين معها حول الطاولة بقرار مثل هذا، ولربما بفعل الشعور الذي يتملك النقابات منذ اتفاق أبريل الـ 2022 والذي كان متقدما وفيه الكثير من المكتسبات بشهادة المركزيات نفسها في فترة توقيعه..
ولا يمكن للمتتبع والملتزم والمحلل أن يهمل علاقة الكل بالجزء، والجزء بالكل في قضية الحوار التعليمي وعلاقته بمقتضيات الحوار الاجتماعي، لا سيما من جهة تدبير التوافقات الحاصلة في الثاني..
ثالثا، يبدو أن الملف المطروح سيظل عالقا، في انتظار أفق رحب(هل يكون الجواب هو حوار وطني موسع حول القضية الأكثر تعقيدا؟ من يدري)
ولكن عجز الحكومة، وتشعب القرار في الوسط التعليمي على مستوى التمثيلية القطاعية، يكشف في الوقت ذاته عن ضعف الوساطة السوسيو مهنية بعد أن كانت الحراكات السابقة قد أظهرت ضمور الوساطة الترابية، لاسيما المنتخبين والقوى التي أوكل إليها تمثيل المناطق الغاضبة.. لا يمكن أن يطلب من الفرقاء والشركاء الاجتماعيين أن يزيدوا من عجز الثقة بينهم وبين القطاع، بعد أن تبين بأن الحركة الاحتجاجية تجاوزتهم، وأن الشريك الحكومي لم يقوّ موقفهم التفاوضي من خلال التجاوب مع سقف مطالبهم..بل إن الاخراج المؤسساتي للمفاوضات حول النظام الأساسي، أخرج النقابات من الإخراج النهائي!
ومن هنا، فإن مسؤولية تدبير التمثيلية في المغرب، تطرح مسؤولية الفاعلين والعاملين الذين أصروا على إضعافها، وقطع حبل الاتصال بينها وبين من تمثلهم..
والسؤال متشابك..
هذا الانتقال يفرض تسليط الضوء على التمثيلية، ومدى قدرتها على التأطير الفعلي لكل أشكال التعبير والاحتجاج..
إلى ذلك، تطرح التمثيلية وتصادم الـشرعيات :شرعية مؤسساتية قبالة شرعية مطلبية مبنية على السقف الأعلى، معضلة تعامل الحكومة معها، بعيدا عن الحسابات الصدامية..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/11/2023