هل سنعود كما كنا، بعد الذي حدث في .. اسبانيا؟ 2/2

عبد الحميد جماهري

اسبانيا لا تدافع عن هامش في التاريخ، وإنما تبحث عن مبرر بقائها وهي تقاتل ضد الاستقلال الكتالاني..
لن تكون هناك اسبانيا …إذا ولدت كتالونيا..
وقد يعتبر جزء منا،
من وعينا أو لا وعينا
نحن الذين اكتوينا طويلا بنيران الأصدقاء، أن كتالونيا قد تحررنا إلى الأبد من اسبانيا، لكننا أكثر أخلاقية من نزوعات الانتقام وندرك أننا نرفض لجيراننا ما يجب أن نرفضه لأنفسنا..
وقد نتحرر نحن من وجود لم يسعفنا دوما عبر التاريخ
في تصديق الجغرافيا كقاعدة لصداقة الشعوب..
ولا في تصديق المتوسط،
كمعبر للحب البشري..
بل جعلنا جزء من الطبقة السياسية والإعلامية الاسبانية نشعر بأنه متوسط التراجيديا
وقد نلنا حظنا منها…
لكن، نحن لا نريد أن تنتفي إسبانيا من جوارنا، على قاعدة استفتاء يريد أن يقطع أوصالها، نريدها أن تبقى وتقرأ معنا كل دروس الجغرافيا
والسياسة..
حتى يتعلم يسارها أنه لا تقرير مصير يمكن أن يبقيه حيا
وأنه لا استقلال يمكنه أن يضع المغرب، الدولة التي تمارس حقها المشروع في الدفاع عن نفسها،
في خانة الأعداء..
سنتحرر ….. كثيرا من أوهامهم
ومن طوباويتهم، عندما نصدق أنهم مخلصون
ومن نفاقهم عندما نصدق بأنهم موظفون لدى الحقيقة الجزائرية لنظام الجارة الشرقية..
ستتغير أشياء كثيرة فينا..
لأنها ستتغير فيهم!
سننام ونستيقظ على مشكلة استفتاء في الشمال
عوض استفتاء في الجنوب
وسنستيقظ أيضا ونحن نملك ورقة جذرية في الحديث إلى الضمير المهني الأوروبي:
لقد أحسنتم عندما رفضتم تجزيء اسبانيا
ولا يمكنكم أن تعودوا إلى رِداتكم السابقة، فقط لأنكم تركتم الشمال وراءكم
والشمس تلسع وجناتكم…
سنقول لهم، في المحيط الذي يلقننا درسا آخر:أوروبا القوية
والموحدة
ترفض التقسيم والافتتات
ولو كان باسم شعب كتالونيا
ولو كان باسم .. ديمقراطية بلا ضفاف…
وسيعرف جزء من اليسار أن الدولة لا يمكنها أن تكون »مبسترة عندما يهم الأمر وحدتها…!!
ما بعد اسبانيا الاستفتاء، يضم التحالف القائم اليوم على الاستقلال اليمين.. الكتالاني، واليسار الراديكالي: ولا أحد منا كان يفكر أن التعبير الذي صاغه باهي محمد حرمه: لا تجعلوا لينين في خدمة فرانكو، وهو يتحدث عن اليسار المساند لجبهة البوليزاريو باسم الثورة والماركسية اللينينية، قد يجد – أي التعبير – صيغته الأكثر فصاحة في الشمال، هناك حيث كانت الأندلس ترقد على إيقاع الكمنجات التي تبكي العرب الخارجين منها مطرودين….
لا شيء يقبل بأن تعاد القضية الانفصالية تحت ذريعة الحقوق: يتضح الآن أن القضية سياسية وأن الحقوقانيين ليسوا أنبياء الحق الجدد ..
لقد حرمتهم المغامرة الانفصالية من أجمل جمهورية ممكنة لهم : الملكية البرلمانية، المنفتحة على كل الآفاق المشرقة، النموذج للقارة وللعالم..
سننتظر أيضا أن يسجل البرلمانيون الراديكاليون نفس الموقف كما يليق بانسجامهم
وإلا سنغزوهم في عز منطقهم: كيف لا تتضامنون مع من يشتركون معكم الهواء نفسه
والتراب نفسه
والديمقراطية الأوروبية نفسها وتبحثون عن شعب في الجنوب لتمزقوه كي تعيشوا من جثته؟
سيتغير منا أننا سننظر إلى «يقظة الهويات»…
وندرك أنها لا تقتصر على الهويات الجنوبية…
هويات الدين
وهويات الجهات
وهويات القوميات…
بل هو العالم المعولم قرية صغيرة ولا شك، لكنه أيضا قرية بقبائل
و«فخذات»
وعائلات
متنافرة تبحث عن هوياتها المسيجة بالجغرافيا..
الذي سيتغير فينا، أن جزءا من الزبائن الأوفياء للنومنكلاتورا الاسبانية سيجدون أن الأفضل لهم أن يبيعوا أنفسهم لبلادهم، الواحدة والموحدة!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 05/10/2017