هل هناك حياة بعد كورونا؟ : 2 – التعقد الاجتماعي والعقد السياسي
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
ما بدأ صحيا، سيتعقد اقتصاديا، ويتأزم اجتماعيا ويحَلُّ سياسيا. هو ذا المنحنى الذي يمكن أن نعيد فيه تركيب المعادلة، بناء على تاريخ الأزمات.
والمتحكم في طبيعة التأزم والتعقد والحل، هو في المرتبة الأولى نتيجة الإجراءات الاحترازية ومنحنيات تطور الوباء.
فالشرط الأساسي، لأي سيناريو، يتعلق بالنجاح في الحجر الصحي والخروج منه بأسرع ما يمكن، وإذا كان الجميع قد اتفق أننا على بعد أقل من عشرة أيام عن تاريخ الأجل المحدد لهذا الحجر الصحي، يوم 20 أبريل الجاري، فلا أحد يمكنه أن يجزم بأنه التاريخ الفعلي له.. بل حتى في هذه الحالة، لا يمكن أن تمر الأزمة بدون آثار كبيرة على البلاد..
البلاد لا يمكنها أن تطمئن، كما قلنا، إلى توزيع دولي للعمل، بل سيكون عليها التوجه نحو الاكتفاء الذاتي، والمراهنة على القدرات الذاتية.
على من سنُعوِّل في المابعد كورونا إذا لم نُعوِّل على أنفسنا، سياسيا واجتماعيا؟
علينا أن نتصرف كما في زمن الحرب، والتعبئة المصاحبة لها.. واستشراف التوقعات البعيدة المدى، أو المتوسطة على أقل تقدير.
بلادنا اختارت أن تنحاز إلى صحة العباد عوض الحساب الاقتصادي وكلفة الأرواح، كما في رواية غوغول. «بائع الأرواح»، ومقارنة صحة الاقتصاد بصحة العباد، بميزان الربح والخسارة، يعطيها قوة أخلاقية وأيضا قوة على الرهان البشري والذي لم تملك سواه طوال تاريخها..
وهي محقة في اعتبار التعويض عن البطالة ومساعدة المقاولات للحفاظ على مناصب الشغل وعلى نفسها، مصلحة عامة تتجاوز النظرة الاقتصادوية إلى ضرورة التماسك الاجتماعي..
..وهنا، لا بد من الإقرار أن مستوى التضرر من الأزمة متفاوت بالنسبة للفئات الاجتماعية، والأثرياء، بالرغم من ديموقراطية المرض، ليسوا هم الفقراء في ما يتعلق بديموقراطية الحياة الكريمة.
ولا بد من الإقرار أن الإجراءات الحالية تقلص من التوتر وتضمن الحدود المتعارف عليها في السكينة الاجتماعية، لكن طول الأزمة سيطرح على الطبقات الوسطى والدنيا، إشكالات حياة صعبة وغير مسبوقة، منها قدرتها في أداء أقساط الكراء وفاتورات العيش وأقساط القروض الخاصة بالسكن.. وبما قد يجره ذلك من زيادة في التوتر مع الأبناك والهيئات المالية..
وسنكون أمام شبح التصدع الاجتماعي وانفجار التناقضات الاجتماعية المفضية إلى الصراع الطبقي ربما ونحن مجبرون، بهذا المعنى، على الأخذ بعين الاعتبار، من الآن، حساب الزمن حتى يستطيع الإجراء الاقتصادي درء هذا الاحتمال الصعب، وما يجره من تفسخ للتماسك الاجتماعي..
على من نعول إذن في هذا السيناريو الصعب والسوداوي؟
على أنفسنا دوما، إذ لا يمكن أن نعول على غيرنا الذي لا يبدو أنه يعول على نفسه. ومن هنا يبدأ التفكير، ومن هنا لا بد من حلول غير مسبوقة..
اجتماعيا، كلما طال زمن الحجر الصحي، كلما زاد سواد الوجه الاجتماعي وتعقدت المعضلة، وتعددت متغيراتها ومجاهلها.
سياسيا..؟ لقد كنا نتابع كيف أن العالم، كان على شفا شعبويات رهيبة تجتاحه، اليوم نحن أمام فشلها الصحي السياسي الذريع، وفشل رموزها الكبرى في أوروبا وأمريكا وأمريكا اللاتينية، في شخص قادة من قبيل، دونالد ترامب وبوريس جونسون وبولسورانو في البرازيل، وحتى النزعة الليبرالية المعتدلة أصبحت في قفص الاتهام..
ونرى عودة قيم التدبير الصارم وتدخل الدولة والسياسات التي غالبا ما نعتت بالسياسات اليسارية، والتي غابت حتى عن البعض من اليساريين أنفسهم..
بالنسبة للمغرب، هذا الأفق المحكوم بتراجع الشعبويات سيعطيه متنفسا ديموقراطيا وطنيا في تدبير الاستثناء.
كان ذلك في تاريخه. القريب والمتوسط المدى، في لحظات مواجهة الاستعصاء الداخلية أو في مواجهة العدو الخارجي..
الجبهة الداخلية، من خلال الخدمة الوطنية الشاملة..
فالتماسك والانسجام والتكافل في مجتمع ما، يحصل بالفعل عندما يتحقق شرط المشروع الشامل، كخدمة وطنية قادرة على تعبئة الطاقات..
ومن المحقق أن المستقبل سيتطلب قرارات مؤلمة، إذا قدر لله وتمادت الجائحة، وهو ما يتطلب أن تكون الكلفة من تحمل الجميع، لا أن يظل هناك من يسعى إلى الحل ومن يعطي الدروس. أو ينتظر المكافأة غدا..
الوضع الوطني، بما هو موجود، بمؤسسات تحترم انتظاميتها وأدوارها، لا يلغي التفكير في الصيغ التي تستبق القادم من السيناريوهات بسيناريوهات تحتفظ على قوة البلاد في إنقاذ نفسها..
لقد سبق القول بأنه لا يحسن بنا أن نفكر بشكل عاد في وضع غيرعاد، لأن ذلك لا يساير منطق التحولات التي يتوقع العالم كله أنها ستكون غير مسبوقة..
ولنا رصيد مهم يمكن أن نبادر به إلى الدخول في روح المستقبل وذهنيته، هو الثقة الآن في الدولة، مستندين في ذلك إلى حكمة قائدها الأول، كما يقول فرانسيس فوكاياما في الحديث عن الحكامة الدولية لما بعد الوباء..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 11/04/2020