هوامش على تدخل هلال وقرار اللجنة الرابعة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
في سياق يتسم أساسا بمرور 48 سنة على صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، الذي بنى عليه المغرب استرجاعه لصحراء (الاثنين 16 أكتوبر الجاري)، وفي أفق اجتماع مجلس الأمن الدولي حول الصحراء لمناقشة الملف مجددا، كما هو حال كل سنة، تأتي قرارات اللجنة الرابعة لتزيد من تقوية الموقف المغربي..
فقد حفرت اللجنة الرابعة للأمم المتحدة، في اجتماعها وقرارها الأخير، قبرا جديدا للاستفتاء، الذي ابتعدت عنه كل هيئات الأمم المتحدة منذ ما لا يقل عن 20 سنة، وفي الوقت ذاته كرست الطريق السياسي، والحل المترتب عنها بوجود كل الأطراف..وهما قراران يصب الواحد منهما في الآخر،كما أنهما صفعة للجزائر وإدانة لسلوكها السياسي، أمميا.
واللجنة هي لجنة المسائل السياسية والخاصة بإنهاء الاستعمار، اختارت أيضا أن تعيد رسم الطريق الذي اختاره المجتمع الدولي في حل الصحراء، وأعادت امتلاك الدور الحصري للأمم المتحدة في تدبير الملف، عكس ما سعت إليه الجزائر النظامية وشركاؤها في المؤامرة ضد المغرب.
أمثال جنوب إفريقيا بالسعي نحو إقحام الاتحاد الإفريقي في الحل.
المسار السياسي أيضا أصبح مدعوما بوضوح، وهو رسالة إلى الدولة الجارة التي تتهرب من التزاماتها السياسية في إيجاد الحل وتتعلل بأعذار لم تعد تنطلي على أحد.
الجزائر تهرب إلى الأمام بالقول إن وقف إطلاق النار. قد انتهى، والحال أن التقارير كلها تقول العكس لكي تنسحب من طاولة التفاوض، وتارة تهرب إلى الخلف وتقول إن قرارات 1991، ومنها الاستفتاء، هي الحل والحال أن الأمم المتحدة أجمعت بشكل واسع ومجلسها التنفيذي بشكل نهائي على الحكم الذاتي. وعندما تؤرخ الجزائر للحل بالعودة الى 1991، يؤرخ المجتمع الدولي للقضية بتاريخ 2007، وبالتالي فإن اللحظة التاريخية التأسيسية هي الآن مبدأ الحكم الذاتي…
وتارة تهرب إلى اليسار، وتتحدث عن تقرير المصير، وفي هذه كان الدرس المغربي، الذي ألقاه عمر هلال، قاسيا.
أولا، فضح محاولة السطو النظامية من طرف الجزائر على تاريخ هذا المبدأ ومن يملك حقوقه وله الملكية الفكرية والتاريخية له وهو المغرب. وفي سياق الحديث ذكر عمر هلال تقديم المغرب لملف تصفية الاستعمار عن الصحراء التي كانت تسمى آنذاك الصحراء الإسبانية في 1963، أي قبل ستة عقود، نضيف إلى ذلك ما لا يقل عن أربع سنوات في التاريخ الحقيقي لمساهمة المغرب، نجملها في كون المغرب مساهم مباشر في صياغة المبدأ وتدقيق مفهومه وتحديد صيغ التعامل الدولي من خلال لجنة الستة التي تأسست في 1959، والذي كان سفيره آنذاك عضوا فيها، ولعله الفقيد المهدي بنعبود، ثم من خلال رسالته التي وجهها وزير خارجيته آنذاك ولعله إدريس المحمدي رحمه الله في غشت 1960 حول تحديد مفهوم تصفية الاستعمار، ثم استضافة طنجة للجنة ال17، التي تأسست لهذا الغرض، وعقدت أول اجتماعاتها بعاصمة البوغاز، وكان المرحوم الحسن الثاني قد استقبل أعضاءها ووضع بين أيديهم كل مطالبه الترابية، ثم من خلال منعطف 1963، والذي كان رسميا هو صاحب الحق في المطالبة بتطبيق تقرير «المصير والاستقلال في الصحراء».
هذه التواريخ المفصلة تبين أن الموضوع كان سابقا على ميلاد الجزائر على أقل تقدير بخمس سنوات، ثم إنه أصبح من مواثيق الأمم المتحدة بعد سنة من استقلالها فقط.
طبعا ما سيتوالى عن الهيئات الأممية يقوي موقف المغرب…
الموقف الجزائري موقف انتقائي تحركه حسابات إقليمية غير أخلاقية، والدليل الذي ساقه عمر هلال، بدبلوماسية ذكية، هو الجبن في الحديث عن ملفات أخرى، وحسب آخر إحصاء تم تحيينه في 12 مايو 2023، هناك 10 ملفات لدى اللجنة ذاتها، وهي تعني المملكة المتحدة، ولعلها قبل بداية الحديث عن ملف الصحراء، حيث يعود تاريخ وجودها الى 1946 أي مباشرة بعد تأسيس الأمم المتحدة، ومنها بيرمودا وجزر سانت هيلانا وجبل طارق…
و3 ملفات أمريكية مثل جزيرة فيرجين، وملفان لدى فرنسا في كاليدونيا وبولينيزيا بدون الحديث عن الكورسيكيين الذين تحدثت عنهما فرنسا مؤخرا.
هذا الموقف يزيح الغطاء الأخلاقي المزعوم عن النظام الجزائري.
والجزائر بذاتها تتنكر لمبدأ تقرير المصير الذي يسمح لها بأن تلوي عنق الحقيقة وتصل بها الوقاحة إلى اتهام المغرب ب “دولة احتلال”، بدون أن تكون هناك أية عبارة بهذا المعنى أو مباشرة في أي قرار أممي ذي الصلة..
أولا عندما قالت أنها دولة معنية بالملف مباشرة بعد المسيرة في 19 نونبر 1975، حين أكدت أنه “بالإضافة إلى إسبانيا بصفتها سلطة إدارية، فإن الأطراف المعنية والمهتمة بقضية الصحراء الغربية هي الجزائر والمغرب وموريتانيا”
ثم انتهكت مبدأ تقرير المصير ثانيا عندما دافعت عن تقسيم الصحراء، أي تقرير مصير لشعب يقبل مضيفه بتقسيم أرضه مثلا، ثم ثالثا عندما أعلنت «جمهورية» سبقت تقرير المصير، وهي المرة الأولى التي يقع فيها هذا التناقض…
طبعا هذا المثال الثالث ينضاف إلى كون المبدأ، من أصله، كان المغاربة من صنعوه ومن صاغوه..
ومع ذلك فالمغرب يشعر بأنه مظلوم ظلما مزدوجا لأن ملفه يوجد في مكانين اثنين، فهو الملف الوحيد في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة في الوقت ذاته، ولأنه أيضا كان هو الذي وضع الملف لدى الجمعية لتصفية الاستعمار، لكن اللعبة التي أعقبت ذلك التاريخ أعطت الحق للمناوئين بأن يفرضوا معالجته في اللجنة التي أصدرت قرارين لصاحبه سنتي 64 و65.
يتبع
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/10/2023