هوامش على دفتر الصفقة..

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لم تطل بنا النكبة طويلا حتى انتقلنا إلى النكسة، وسرعان ما أصبحنا سكان الصفقة الأولون..
نحن الوحيدون في تسمية الانهيار الشامل بأسماء مرحلية..
وفي كل مرة كان العالم منشغلا بشيء ما في كرته الأرضية: الحرب العالمية الأولى أوالثانية لتبدأ النكبة وولادة معسكرين من غبار المجنزرات وسقوط الممالك القديمة في حضن المآسي.. وانهياره مجددا، في ابتسامة التاريخ الماكرة، لتضيع العراق، ثم توشك الدول الأخرى على الهاوية في منعطف الألفية الثالثة..
والآن، أيضا، لا يبدو العالم مكترثا لما يقع في حزام فلسطين الناسف، والعالم العربي بذاته مازال مزنرا بالقنابل التي تقتل الإخوة أكثر ما تقلق الأعداء…
الفلسطينيون مجمعون على رفض خطة ترامب/نتانياهو، لكن عليهم أن يتحركوا في كل مكامن الظل وفي كل مناطق الشمس لإقناع العالم بأن خطة القرن تريد أن تحفر قبرا كبيرا لهم، وتخرجهم من جغرافيا الشرق الأوسط ومن أجنداته السياسية.
لا أحد في العالم يتخذ المبادرة لكي يقف في وجه واشنطن ترامب ولا تل أبيب نتانياهو..
الكل ذاب في حسابات خاصة، لا تمت إلى القرن الماضي ولا إلى بداية القرن الجديد…
لم تعد موسكو قبلة العالم البارد
ولا الفرات مرتعا لعدم الانحياز
ولا العرب أمة تستطيع أن تتمتع مرة في السنة..
لا أحد استطاع أن يوقف اعتراف أمريكا بالقدس عاصمة لإسرائيل، أورشليم الجديدة، ولا أحد منع أمريكا من مساندة ضم الجولان أرضا سورية، «تأسرلت» بفعل الجيو استراتيجيا الجديدة وموازين الأولويات الجديدة…
والعرب يقدمون النقود ويلهثون وراء سلاح لا يعرف من القتلى سوى الأشقاء، ولا يعرف من الضحايا سوى الإخوة الأعداء..
وفي هذا الوضع، يطلب من المناصرين لفلسطين أن يجدوا حلا للعقل في هذه الفوضى…
أمريكا صنعت الفوضى قبل ترامب، وتستعملها كل مرة في تذويب العرب في تناقضات الجوار تارة وتناقضات الطائفة تارات عديدة..
الاتحاد الأوروبي يعطي العرب الأشياء الجميلة مشكورا، لكنه لا يعترف بدولة فلسطين، التي يدعو لأن تقوم في أفق بعيد!
والشارع العربي مشغول كثيرا، بالحكومات الطائفية وبالصراع حول المحاصصة أو بالمستقبل السريع في ماكدونالد ورقصات الثائرات الجديدات…
لا أحد في المقاومة يعد بحرب ضروس جديدة، والعواصم التي كانت تعدنا بحرب طويلة الأمد، ما زالت تربت على مناحاتها، وتدر خلسة على عدوها الذي يقتل قادتها…
الكثيرون ينادون بالحراك الشعبي الفلسطيني وفي الجوار
وفي الديبلوماسية الممكنة وفي السياسة الممكنة، لكن السؤال يطرحه العجز العام: أي طريق ديبلوماسية يمكنها أن تحل محل التوازن الدولي السابق، والتوازن الذي لم يتحقق بعد؟
لا شعب في الشرقيين قادر أن ينتصر..
ولا شعب في الشرقيين مطئن في دولته ..
إلا القليل طبعا، لكي يصوب بوصلتها فعلا لاتجاه ما: قدس أو حرم..
ولا جبهة في الشرق فارغة يمكن أن تفتح ضد إسرائيل. كل الجبهات موجهة إلى الداخل أو الجوار، وإسرائيل لم تكن قوية مثلما هي الآن: دعك من نزوعات الضحية التي يجيدها الذئب كلما أراد أن يلتهم خروفا…..
سيعود الإبداع الفلسطيني إلى ما يعرفه: الانتفاضة..
تلك المسافة بين البندقية وبين أوراق الاتفاقيات، المسافة بين القبر وطاولة المفاوضات.
تلك الساحة التي يستطيع الفلسطيني فيها أن يفتح بوابة لينزل الإسرائيلي من دبابته ومن أسطورته القديمة..
ومن رماد العصر الحديث ليواجه داوود الجديد..
واشنطن وتل أبيب يعرفان اقتصادنا أحسن منا
وقوتنا أحسن منا، ويعرفان جغرافيا السياسة عندنا أكثر منا..
لا أحد يمكنه أن يجازف بأنه يعرفنا أكثر من أعدائنا..
سيظل العقل غريبا مع ذلك: وهو يتمرن على فهم موازين القوة، وتأرجح العالم بين الحرب وصنوها الفوضى، أو وهو يحاول أن يفسح طريقا للعاطفة، للتضامن المبدئي في عالم تحركه الأعطاب..
سيظل التفكير غريبا عن صاحبه وعن واقعه، في تشتت الأولويات التي جعلت فلسطين بعيدة، في البعيد بعد اليمن، وبعد سوريا، بعد العراق، وبعد ليبيا، بعيدة بعد الحرب مع إيران وترويض الهلال الخصيب على دمائه المبهمة، في تلاقح مأساة الشيعة والسنة..
وسيلتقي جيش النصرة، الذي دربته “السي اي اي”، ويصدره الآن أردوغان
ضد جيش القاعدة، الذي سبق أن دربته نفس “السي اي ايه”..
ومع ذلك، هناك شعب جبارين، يريد أن يدنو من الأسطورة ، براية دولته وعاصمتها القدس الشرقية..
ومع ذلك، سنظل نصيح: أيها العقل اترك الصراخ يمر سليما إلى ما تبقى في ضمير العالم من أنقاض وصدى!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 31/01/2020