وداعا عبد السلام بوزاكَو

عبد الحميد جماهري

سكين من صقيع تجز الأضلاع
خنجر من لهيب يمزق القلب
صباح الثلاثاء يبدأ برحيل إنسان بسيط من أسرتنا الصحافية..
والراحل عبد السلام بوزاكو، الذي ودَّعته مؤسسة «الاتحاد الاشتراكي – ليبراسيون» وكل العاملين في المطبعة والتوزيع، ليس شخصية إعلامية معروفة، ولا شخصية إدارية ذات صيت، كان أحدنا، أحد بسطاء الناس في مخازن النور بالجريدة..
يحمل الكثير من طباع «جويهريين» من منطقة ازغنغان..
يحب أن يردد أسماءها بحنين يافع باستمرار: احدادن، بني سيدل، بويافر..
التحق بنا من.. باب الطبخ واستدراج مَعِداتنا..
كان طباخا ماهرا في مطعم الجريدة منذ عقدين خليا من الزمن، عندما كانت المؤسسة تضم مطبخا من بين مرافقها، وعندما اقتضت ظروف مالية صعبة في بداية الألفية الثالثة تغيير أولويات المؤسسة، صار هو وآخرون منهم زميله »علي«، من بين الزملاء والعاملين الذين تحملوا الانتقال من المطبخ إلى قسم الإشهار والعلاقات العامة وتسهيل الفوترة والخدمات الاجتماعية كضابط الاتصال اليومي…
عبد السلام الضحوك والخدوم، عينة بروليتارية بحثة..وحدة إنسانية في البروليتاريا التي دخلت عالم الصحافة من باب الدبلوم الفندقي ومهارات الذائقة الغذائية..
كان رجلا يلهو بالضحك ورئتاه مليئتان بالهواء الراقص.
كان وحده كثيبة عمل، يشعر بأنه مقصوص الجناح إن فُرض عليه البقاء في الجريدة أو حرم من دراجته النارية…
ظل يلهج طلبا لدراجة نارية منعت عنه، وظل يطالب بالحصول عليها، كمن يلح في الحفاظ على سبب وفاته بين يديه، وكان له ما أراد منذ أقل من أسبوعين، وفي صبيحة أمس توفي على الطريق بالقرب من مقر العمل، وكان يؤدي مهمته التي كُلِّف بها… من طرف الجريدة..
وكان سلاح الجريمة حفرة وسط الطريق كما عهدنا ذلك بلا حساب ولا عقاب في طرق مدينة الدارالبيضاء..
عبد السلام وعادات يومية في الجريدة بين لحظات قلق مزمنة ومشاغل الديون والبحث عن سعادة الأهل وطيبوبة العلاقات بين العاملين…
كل صباح يطل علي في المكتب أو في غيره، ثم ينتقي لي بعضا من عبارات العناية: البيرو يحمو.. أطاس اميس ان عمي، غ تهارشد..ـ البيرو سخون بزاف، غادي تمرض) وهو يقصد مكيف الحرارة..
وعندما يكون في مزاج رائق ويسألني سؤال الغرباء:
»ميمي غ نروااااح؟«
يسألني ضاحكا
«متى سنغادر؟»
وهو يقصد الذهاب إلى أهله في ازغنغان..
بجانبنا كان يعيش مثل كثيرين يستحقون الأفضل والأكثر والأنجح، لكنه ظل يعارك الحياة بمنتهى الدعابة كمن يدغدغها لكي تستسلم له، وكان حمله ثقيلا، ومعجزا لغيره، لكل من لا يملك ذلك القدر من الصبر والحب لأسرته.
أمه تحتفظ بابن لها يرعاها في كل حين، وحين تبكيه الآن أمام المستشفى تبكي عزلتها القادمة، وتسأل لمن تركها في غابة البيضاء الشرسة؟
أرملته وشقيقاته وقريباته الأخريات، كلهن ينحن إنسانيته ويستشفعن الله بطيبوبته:
«يا لله خذ منا حسناتنا واستقبله بها!»
«يا لله دثره بطيبوبته»!
هو واحد من الكثيرين الذين يعانون تحت ظلال صاحبة الجلالة، كان يستحق الأحسن وعجزنا عن تقديمه له، كما آخرين أيضا..
كان يستحق الأحسن وتلكأنا في تقديمه له كما آخرين أيضا..
كان القلب بصيرا
وكان القرار قصيرا.
وكآخرين بسطاء ورائعين
رحلوا أو ما زالوا بيننا
سيظل اسمه
ينبهنا إلى ما في الحياة من جذوة ومن عبث!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 15/12/2021