وزير الخارجية الإسباني بالمغرب من جديد !…

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

فاصل … ونواصل!
‏?Como déciamos ayer

يقوم وزير الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون الإسباني، خوسيه مانويل ألباريس، بزيارة إلى المغرب، يومه الأربعاء 13 دجنبر وغدا الخميس 14 منه، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس الديبلوماسية الإسبانية إلى الخارج منذ تنصيب الحكومة الجديدة، على إثر تمرين سياسي ودستوري وديموقراطي شاق في إسبانيا.
ويبدو أن الفترة الانتخابية وما تلاها من «جيمناستيك» سياسي وتشريعي، كانا مجرد فاصل في علاقة ستتم بعد مواصلة تنفيذ الاتفاقيات المبرمة بكل ما فيه من قوة وتحول.
وعليه فمن المحقق أن الزيارة محكومة بثوابت تهم العلاقة مع الجار الشمالي للمغرب تم تأسيسها قبل الزيارة، وقبل تنصيب الحكومة الحالية، وتم التنصيص عليها في الاتفاق الاستراتيجي في سياق اللقاء الذي انعقد بالرباط، يوم 7 أبريل 2022، بين جلالة الملك محمد السادس ورئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز. المؤسَّس بدوره على تحول استراتيجي ناجح ومسؤول، تمثل في الموقف الايجابي من وحدة المغرب الترابية.
وهذه الزيارة، من حيث الأجندة الزمنية ما بعد تعيين سانشيز تأتي بعد رسالة التهنئة بالتنصيب من جلالة الملك إلى بيدرو سانشيز في منتصف نونبر المنصرم، وهي الرسالة التي أعاد فيها ملك البلاد التذكير بأسس وثوابت العلاقة كما تم الاتفاق عليها، وهي تتمثل في ثلاث مرتكزات:
ـ التأكيد الوطيد على مواصلة العمل سويا للمضي قدما في ترسيخ علاقات الصداقة والتعاون المتينة.
ـ تعزيز المرحلة الجديدة للشراكة الاستراتيجية، التي تبناها الملك ورئيس الحكومة الإسبانية معا.
ـ التزام البلدين الجارين بتكريس تطابق وجهات نظرهما بخصوص مختلف القضايا الجهوية والدولية ذات الاهتمام المشترك…
وهنا لا يمكن أن نغفل أن التغيرات الوحيدة ذات الصدى، والتي حدثت منذ العام الماضي وفي الفترة قبل تنصيب حكومة بيدرو سانشيز، تتمثل في متغيرين اثنين:
الأول، هو عودة السفير الجزائري إلى مدريد، بقرار أحادي من طرف الجزائر، ولعل سياق مغادرته للعاصمة الأيبيرية احتجاجا على الموقف الجديد لإسبانيا من وحدة المغرب، يجعل عودته بهذا الشكل أو ذاك مرتبطة بملف الصحراء المغربية (علاوة على الآثار المعيشية المهولة التي خلفها القرار على الشعب الجزائري لا سيما من جانب الصناعات والمواد الغذائية)، وفي هذا الباب فإن مجيء ألباريس إلى المغرب، وهو الرجل المعروف عنه أنه كان الورقة البديلة للوزيرة المُقالة صاحبة قضية بن بطوش أرانشا غونزاليس لايا ، يعتبر رسالة واضحة للجار الشرقي.
وفي رسالة الملك حديث عن «تطابق وجهات النظر والالتزام بتكريسها»، في ما يشبه غلق الباب على أي تأويل لعودة السفير الجزائري أو تطور في العلاقات بين مدريد والجزائر.
والمتغير الثاني في المنطقة وفي القضايا ذات الاهتمام المشترك كان هو الحرب على غزة، ولعل الجميع يرى أن مواقف بيدرو سانشيز وإسبانيا قريبة كثيرا من المغرب، إضافة إلى أنها وجدت صدى لدى الرأي العام العربي والمغربي خصوصا لصالح صورة سانشيز. والبلدان معا، ومن ضفتي المتوسط يجمعهما الحد الأدنى والأعلى من العمل على استقرار شرق المتوسط عكس آخرين يستعرضون فيه القوة الهدامة!
والواضح أن كل أدبيات اللقاء والاتفاقات والزيارات محكومة بهذه الثلاثية التي جدد الملك التأكيد عليها.
وفي صلب هذا كله، صيانة روح الثقة والتشاور، التي أعلنت بداية مرحلة جديدة من خلال التقدم على المستوى العملي، باعتبار ذلك امتدادا لإرادة الملك محمد السادس «بتدشين مرحلة غير مسبوقة في علاقة البلدين»، وإرادة العاهل الإسباني فيليبي السادس «للسير سويا لتجسيد هذه العلاقة الجديدة»، وتجاوبا مع قناعة بيدرو سانشيز «لبناء علاقة على أسس أكثر صلابة»، كما ورد حرفيا في البلاغ الصادر في أبريل من العام الماضي.
ويحسن بنا التذكير هنا أن من مستجدات الفترة ما بين الانتخابات والزيارة أنها عرفت تطورا مهما في أحد بنود الاتفاق التاريخي، ويتعلق الأمر بالمستوى الرياضي والثقافي، الذي كان موضوع البند 13من الاتفاقية، وقد اتخذ بعدا أكثر اتساعا ومستوى أكثر عالمية بعد اتفاق مثلث: ضلعاه المغرب وإسبانيا وثالثه البرتغال في مجال تنظيم كأس العالم…
وما من شك، وفي انتظار أن تتم مباشرة النقاش السياسي الثنائي الممأسس لتحيين معاهدة 1991، فإن الواقع ينبئ بالسير في طريق توفير كل الشروط الضرورية من أجل تعميق حسن الجوار والصداقة والتعاون على أساس المبادئ والمحددات والأولويات التي ستوجه العلاقات الثنائية من الآن وفي أفق السنوات المقبلة!
لدى الإسبانيين جملة شهيرة استشهد بها رئيس الحكومة بيدرو سانشيز في كتابه الصادر في 2019، تحت عنوان «دليل عملي للمقاومة «Manual de la resistencia»، تعود إلى قرون مضت، تنسب في أصلها إلى فراي لويس دي ليون، أستاذ بجامعة صالامانكا في القرن السادس عشر، الذي اضطرته ظروف سياسية إلى الغياب لمدة أربع سنوات عن طلبته، وبمجرد دخوله إلى القسم تحدث إليهم كما لو أنهم كانوا معا البارحة وبدأ درسه بالقول Como decíamos ayer…» (كما كنا نقول البارحة!)
قد تكون هي الأدق في وصف زيارة ألباريس، ولعلها ستخطر بباله اليوم، وهو يلتقي المسؤولين المغاربة.. ولعل المرادف بالعربية لما سيفهمونه هو: فاصل ونواصل ..مهما طال الفاصل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 13/12/2023