…وسُمِّيَ الاحتقان من الحقنة!

عبد الحميد جماهري

رفضت الحكومة التفاوض المؤسساتي، بعدم إحالة قرار جواز التلقيح على المؤسسة التشريعية، فوجدت نفسها أمام التفاوض مع الشارع.
وتابعنا أول أمس مظاهرات متفاوتة الكثافة بين مدينة وأخرى، انطلقت الدعوات إليها من زوايا مختلفة.
والثابت هو أن الجواز، كان عنصرا من بين عناصر أخرى غذت الاحتجاج. ومنها غلاء الأسعار.
هذا الاحتقان جاء بسبب إجبارية جواز الحقنة ، لا الحقنة في ذاتها.
وكان واضحا أن الحكومة لم تميز بين الانخراط في التلقيح، وبكثافة وإقبال كبيرين، وبين النقاش حول جواز التلقيح.
وتبين ذلك من خلال بلاغها الاحتفائي بإقبال المغاربة على مراكز التلقيح بعد قرارها بإجبارية الجواز ..
شخصيا أؤمن بأن فكرة الحرية ليست هي التي يمكن من خلالها تفسير الغضب في ما يحدث.
فالحريةكان قد سلبها منا الوباء، وكان علينا دولة ومجتمعا،كما يحدث في كل حالة تاريخية تسلب فيها منا حريتنا، أن نقوم بتعاقد بين الشعب والملك، وثورة مشتركة من أجل استعادة الحرية ورفع الحجر.
ألم نكن نسمي زمن الاستعمار بزمن الحجر كمانسميه اليوم في زمن الوباء؟…
هذا الوباء، لا يمكن أن نستعيد حريتنا منه إلا بسلاح التلقيح، وبالتدبير المعقلن لما يرافقه من إجراءات احترازية.
قرار الجواز وإجباريته كان مطروحا على تناقض الحكومة الخاطئ أكثر مما هو مطروح على صواب الضرورة الصحية…
هناك فرق بن الجواز وبين التلقيح. مسافة أمان كان على الحكومة أن تؤمنها بالقانون والنقاش العمومي، خاصة وأن الوضع الوبائي تحسن بشكل كبير جدا.
وكانت السلطات العمومية قد منحت للحكومة فرصة كبيرة وموقف قوة يساعدها في إقناع مكونات الأمة كلها بالتصويت على قرار جواز التلقيح..
ومن نقط القوة التي لم تحسن الحكومة استعمالها، وجود المغرب في فترة ما بين موجتين،المرحلة البينية بلغة المختصين والخبراء في الوباء وسياسة معالجته..
وإذا صدقنا منسق المركز الوطني لعمليات الطوارئ العامة بوزارة الصحة، فقد انتهت موجة “دلتا” ودخل المغرب هذه المرحلة البينية .
غير أن منطق المنزلة بين الموجتين، يعني في مايعنيه احتمال أن هناك جانبا يخيم بأشباحه المخيفة، ويتعلق بإمكانية ظهور موجة جديدة، قد تجد عناصر تغذية وتمكين من الجو الوبائي الأوربي في الفترة الحالية..
لقد تنصلت الحكومة من الغلاء، بدعوى أن عمرها لم يتجاوز الشهر إلا بأيام ونزر قليل، ومع ذلك فالموضوع سيفرض نفسه على مناخ السياسة في البلاد، ويقتضي خروجها عن الصمت بعد أن التقى مع الجواز في تأجيج الغضب وتغذية السخط في ظرفية تغلي..
وكان في الموقف الجيد باستكمال التلقيح كما تم تدبره سابقا، عبر »”طاسك فورص”» فعالة وناجعة،لكنها لم تدرك التحول الحاصل بخصوص المناخ العام، المناخ الذي يفرض نضجا..
ولعل التغول على الشركاء السياسيين والمؤسساتيين أعطى الحكومة غير قليل من الغرور، وهما معا، التغول والغرور، يعتبران أن تدبير لحظة الاحتقان ممكن عبر التعالي والتجاهل.
واحتكار الفضاء التأويلي العام للقوانين والدستور، وكما قلنا سابقا، أن هذه القوة التي صارت لها، بعد الانتخابات، يجب أن تعطيها من حيث البدء، القوة لضمان الاستقرار وحفظ النظام العام بواسطة الإقناع والحوار المؤسساتي، لا أن تجعل، كما قلنا أيام الريف وجرادة
الأمن هو الحل !
ونقولها بكل وضوح وطني ، كما في عز الأزمة بالريف :لا يمكن أن تجعل الحكومات من الأمن درعا لكسلها الدستوري و قصورها السياسي في تدبير واحدة من القضايا المستجدة في البلاد ..فالمؤسسة الأمنية تحظى بمنسوب ثقة كبير لدى المواطنين، على الحكومة أن تصونها بتحمل المسؤولية كاملة في تدبير الجائحة والمناخ السياسي العام!
إن القوة الحقيقية هي القدرة على نقل الحرارة الموجودة في الشارع إلى المؤسسات، لتُقابَل بالنقاش والحوار والتضاد، ثم التركيب الذي يقنع بآلياته وبنتائج العمل المؤسساتي.
هو ذا الدرس، قبل فوات الأوان..

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 02/11/2021