يوميات المعرض الدولي للكتاب والنشر 2 : على إثر صحراء…
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كانت الصحراء دوما قطعة من الخيال والتشويق، ودعوة مفتوحة إلى الحرية المتربة … وهي أيضا تخوم واسعة للتجارب المتفردة في الحياة الجماعية.. قبل أن تتحول إلى رقعة للصراع السياسي المفتعل، وطريقا للتأزيم وخلق الحروب.
للبحث في تلك الثنايا الرملية المهولة للصحراء، قدم كل من الباحثين عبد الحميد فائز وأناس بن الشيخ عن مركز الدراسات الصحراوية كتاب: «مجتمع غرب الصحراء» للباحث الأنتروبولوجي بيير بونت …
وكانت تلك مناسبة، من خلال نشاط احتضنه مقر جهة الدار البيضاء سطات، كامتداد للمعرض الدولي للكتاب والنشر، لكي «تتحرر الصحراء من أواليات الصراع السياسي وتعود إلى إنسانيتها حسب التعبير الجميل للفاعل الميداني والمدني عبد العالي مستور..
الشابان، فائز وابن الشيخ، نبهانا مع ذلك إلى ثلاثة أشياء مركزية في الاقتراب من موضوع الصحراء الحارق، باستحضار هذا التحرر الشامل من مرفقات الحروب الإقليمية..
لقد كانا بارعين في الحديث عن مجهودات بيير بونت وقدماه بما يستوفي عالما جديرا بالمتابعة، وباحثا ألمعيا ترك إنتاجا علميا غزيرا يتضمن 400 عنوان: 26 كتابا (كتبها بمفرده أو بالتعاون مع غيره) والعديد من فصول الكتب والمقالات في المجلات المتخصصة والتقارير… إلخ. كما قال أحد الخلص من متابعيه عبد الودود ولد الشيخ الموريتاني، فقد كان العمل الانتروبولوجي يعني بالنسبة للانتروبولوجيين من جيله ومن نفس التكوين، التجربة الميدانية قبل كل شيء.
هذا الكتاب الذي يعتبر:»محاولة ناضجة وعميقة في الكشف عن بعض الخبايا الملتصقة بمجتمعات غرب الصحراء، بسط خلالها الكاتب الطابع الشفهي والقبلي للثقافة الصحراوية من خلال استقراء الحقول الدلالية للنصوص والمرويات عند مجتمعات جنوب الصحراء»، هو من تأليف رجل عاش في أوساط يسارية محضة، وهي عادة ما تكون مناهضة للحق المغربي…
فهو سليل عائلة ظلت لعهد طويل تتولى رئاسة الاتحاد الشمالي للحزب الاشتراكي ورئاسة تحرير صحيفة
«L’Humanité» كما كان أحد أفراد عائلته النائب عن الحزب الاشتراكي الفرنسي حتى سنة 1958. ينحدر بيير بونت من أبوين كانا معلمين وقد تربى مع أخواته الثلاث في عائلة ذات توجه جمهوري ولائكي لا غبار عليه.
بيير بونت «انغمس وهو لا يزال يافعا في الأحداث والكفاحات التي صنعت قوة ومجد الحزب الاشتراكي الفرنسي حتى بداية السبعينيات…».
وهذه الإشارة ليست عابرة، إذ أن الكاتبين سينبهان الحضور إلى مخاطر «توجيه القاعدة العلمية لبعض الباحثين بناء على توجهات أيديولوجية قد تخدم الأعداء والأطروحات المناهضة»…
وهو ما يمكننا من استخلاص خطورة وجود الفراغ الأكاديمي في الدفاع عن انتماء الصحراء إلى البناء الوطني الشامل..
ومن الأفكار التي لا يمكنها أن تمر بدون أن تطرح ما بعدها، كون البحث أبان عن «انغلاق مغرب الشمال علي مغرب الجنوب» لمدة طويلة استمرت إلى حدود القرن التاسع عشر، بالرغم من الروابط العميقة بين المغربين!!
ثالث فكرة فريدة هو الكشف عن أطروحات متعالية في البحث الانتروبولوجي الفرنسي خصوصا، والتي اعتبرت أن « من لا كتابة له لا تاريخ له وهي فكرة انتروبو-تاريخية ظلت حية وما زالت .
وقد تفسر قولة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، عن « الإنسان اللاتاريخي في إفريقيا» … والتي أثارت ضجة رهيبة وقتها..
ملاحظة أخيرة هو انكباب الباحثين، الشابين، على موضوع كان مسورا دوما بالانتماء، وأعني بذلك أن القضايا الصحراوية غالبا ما يتناولها أهلها ولا غير.
لقد دفع الشابان بضرورة أن يكون الشأن التاريخي والمجتمعي والانتروبولوجي والمعرفي عموما شأنا يخترق المغرب برمته، لا أن يتكسر التميز عبر تخصص أبناء المنطقة وحدهم في تاريخهم أو في قضايا صيرورتهم التاريخية..
برافو…
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/02/2018