‬الربيع‭ ‬الأصفر‭ ‬والإعلام‭ ‬الفرنسي‭ ‬‮…‬ونحن‮!‬

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‭ ‬***

هكذا‭ ‬أتحايل‭ ‬‮:‬‭ ‬نرسيس‭ ‬ليس‭ ‬جميلاً
كما‭ ‬ظنّ‭ ‬‮.‬‭ ‬لكن‭ ‬صُنَّاعَهُ
ورَّطوهُ‭ ‬بمرآته‭ ‬‮.‬‭ ‬فأطال‭ ‬تأمُّلَهُ
في‭ ‬الهواء‭ ‬المقَطَّر‭ ‬بالماء‭ ‬‮…‬
لو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬وسعه‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬غيره
لأحبَّ‭ ‬فتاةً‭ ‬تحملق‭ ‬فيه،
وتنسى‭ ‬الأيائل‭ ‬تركض‭ ‬بين‭ ‬الزنابق‭ ‬والأقحوان‭ ‬‮…‬
ولو‭ ‬كان‭ ‬أَذكى‭ ‬قليلاً
لحطَّم‭ ‬مرآتَهُ
ورأى‭ ‬كم‭ ‬هو‭ ‬الآخرون
***
اغتنم‭ ‬الرئيس‭ ‬الفرنسي‭ ‬زيارته‭ ‬في‭ ‬الأسبوع‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬فبراير‭ ‬الماضي‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬الثورة،‭ ‬لكي‭ ‬يعلن‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭ ‬أن‭ ‬‮»‬الربيع‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬ينته‮«‬،‭ ‬ولم‭ ‬ينتبه‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬سيفاجأ‭ ‬بربيع‭ ‬أصفر،‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬ماي‭ ‬1986،‭ ‬وربيع‭ ‬دام‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يبدو‭ ‬بمشاهد‭ ‬حربية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬لغته‮.‬
‭ ‬وفي‭ ‬فرنسا،‭ ‬استخدمت‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬صباح‭ ‬السبت‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬الغاز‭ ‬المسيل‭ ‬للدموع‭ ‬وخراطيم‭ ‬المياه‭ ‬لتفريق‭ ‬متظاهرين‭ ‬في‭ ‬حركة”السترات‭ ‬الصفراء‮”‬‭ ‬تجمعوا‭ ‬بالآلاف‭ ‬في‭ ‬وسط‭ ‬العاصمة‭ ‬الفرنسية‭ ‬للاحتجاج‭ ‬على‭ ‬زيادة‭ ‬الرسوم‭ ‬على‭ ‬المحروقات‭ ‬‮.‬
في‭ ‬لاريئينيون‮ ‬La Réunion‮ ‬لم‭ ‬تتردد‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬استدعاء‭ ‬الجيش‭ ‬لمواجهة‭ ‬التظاهر‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬بقعة‭ ‬الزيت‭ ‬التي‭ ‬انتشرت‭ ‬بسبب‭ ‬المحروقات‮..‬
‭ ‬وفي‭ ‬فرنسا‭ ‬ماكرون‭ ‬احتمى‭ ‬بالعنف‭ ‬في‭ ‬الخطاب‭ ‬ليدين‭ ‬العنف‭ ‬في‭ ‬الاحتجاجات،‭ ‬لكنه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬يواجه‭ ‬أزمة‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬ضريبية‭ ‬حول‭ ‬المحروقات،‭ ‬إنه‭ ‬أمام‭ ‬وضع‭ ‬غير‭ ‬مسبوق‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬نرسيس‭ ‬أمام‭ ‬صورته‭ ‬تماما‮:‬
هو‭ ‬أيضا‭ ‬بلا‭ ‬مخاطب،‭ ‬بلا‭ ‬وساطة‭ ‬أمامه،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬نتيجة‭ ‬غياب‭ ‬الوساطة‭ ‬وضعفها،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬رسمل‭ ‬الغياب‭ ‬الديموقراطي‭ ‬للوساطة‭ ‬وحوله‭ ‬إلى‭ ‬حساب‭ ‬بنكي‭ ‬في‭ ‬الديموقراطية‭ ‬الجديدة‮.‬
ليس‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬نشبهه‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬الوسيط‮ … ‬
‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬خروج‭ ‬الشارع‭ ‬عن‭ ‬الطريق‭ ‬السيار‭ ‬للتمثيلية‭ ‬المعروفة
‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬انزياح‭ ‬الغاضبين‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬مصنفات‭ ‬الغضب‭ ‬المتعارف‭ ‬عليها‭ ‬طيلة‭ ‬قرنين‭ ‬من‭ ‬اكتشاف‭ ‬السوسيولوجيا‭ ‬السياسية
الغريب‭ ‬هو‭ ‬ألا‭ ‬يشبه‭ ‬الإعلام‭ ‬الفرنسي‭ ‬نفسه‭ ‬وهو‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬أشياء‭ ‬يتشابه‭ ‬فيها‭ ‬الأمن‭ ‬الفرنسي‭ ‬مع‭ ‬الأمن‭ ‬المغربي‮:‬‭ ‬
أي‭ ‬حماية‭ ‬الممتلكات‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬السلم‭ ‬الاجتماعي‮..‬
لم‭ ‬نقرأ‭ ‬لحد‭ ‬الساعة‭ ‬أي‭ ‬‮»‬زاوية‮«‬‭ ‬في‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬بريس
‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬احترام‭ ‬الحقوق‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬عجز‭ ‬الدولة‭ ‬عن‭ ‬التجاوب‭ ‬مع‭ ‬الساكنة‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬ترنح‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬متقدمة‭ ‬من‭ ‬الاحتجاج‭.‬
ولم‭ ‬نتابع‭ ‬لحد‭ ‬الساعة‭ ‬برامج‭ ‬وجها‭ ‬لوجه‭ ‬سوى‭ ‬ما‭ ‬تابعناه‭ ‬عن‭ ‬وجوه‭ ‬تتشابه‭ ‬في‭ ‬التفكير‭ ‬المسوغ‭ ‬بلغة‭ ‬التشكيك‭ ‬في‭ ‬غضب‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬وعدم‭ ‬التماسك‭ ‬بين‭ ‬غضب‭ ‬اليمين‭ ‬وغضب‭ ‬اليسار‭ ‬وغضب‭ ‬الوسط‮!‬
لم‭ ‬نقرأ‭ ‬لحد‭ ‬الساعة‭ ‬تحليلات‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬القوس‭ ‬الماكروني‭ ‬العظيم،‭ ‬وعودة‭ ‬الشارع‭ ‬إلى‭ ‬سيادته‭ ‬في‭ ‬اليأس‮!‬
‭ ‬ولا‭ ‬عن‭ ‬حقوقيين‭ ‬يتحدثون‭ ‬بصريح‭ ‬العبارة‭ ‬عم‭ ‬يقع‭ ‬
وعم‭ ‬لا‭ ‬ينقله‭ ‬الإعلام‮..‬
نحن‭ ‬نتلعثم
لكن‭ ‬مع‭ ‬ذلك،‭ ‬نتعلم‭ ‬أيها‭ ‬السادة
ونتعلم‭ ‬منكم‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬ألا‭ ‬تكونوا‭ ‬أساتذة‭ ‬في‭ ‬حقيقة‭ ‬تزعجكم‭ ‬
كما‭ ‬تكونون‭ ‬سادة‭ ‬في‭ ‬إزعاجنا‮..‬
نحن‭ ‬نملك‭ ‬ما‭ ‬يكفي‭ ‬من‭ ‬التواضع‭ ‬الديموقراطي‭ ‬لكي‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬أوضاعنا،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تقدمنا‭ ‬فيه،‭ ‬لا‭ ‬ترضينا‭ ‬تماما‮:‬‭ ‬من‭ ‬قمة‭ ‬البلد‭ ‬إلى‭ ‬قاعدته‮.‬
وأننا‭ ‬نقول‭ ‬الحقيقة‭ ‬لأنفسنا‭ ‬ولأن‭ ‬بلادنا‭ ‬تهمنا‮:‬
لكن‭ ‬لماذا‭ ‬لا‭ ‬ترون‭ ‬العصا‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬رفعت‭ ‬هنا
‭ ‬ولا‭ ‬ترون‭ ‬الحقوق‭ ‬إلا‭ ‬اذا‭ ‬ارتبطت‭ ‬بنا‮…‬
وكم سخرتم منا ومن إعلامنا،‮ ‬في‮ ‬فنادق جيدة
وأحيانا فوق جيدة‮.. ‬
ولا‭ ‬تتحدثون‭ ‬بنفس‭ ‬النبرة‭ ‬المرعبة‭ ‬عن‭ ‬أجساد‭ ‬الفرنسيين،‭ ‬
ولماذا‭ ‬تصدقون‭ ‬بأن‭ ‬متطرفين‭ ‬فقط‭ ‬هم‭ ‬الغاضبون
عندكم،‭ ‬وأن‭ ‬عندنا‭ ‬لا‭ ‬وجود‭ ‬لمتطرفين‭ ‬قد‭ ‬يثقبون‭ ‬سقف‭ ‬المرحلة‭ ‬؟
هو‭ ‬سؤال‭ ‬المتواضعين،‭ ‬وهم‭ ‬يتطلعون‭ ‬إلى‭ ‬إحباطهم‭ ‬فيكم
وعجزهم‭ ‬عن‭ ‬فهم‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬تقولون‭ ‬عنهم
‭ ‬هل‭ ‬فعلا‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نستفتي‭ ‬فيكم‭ ‬منكم‭ ‬أحدا‭ ‬؟‮…‬
‭ ‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 28/11/2018