‮‬الصواب والخطأ في‮ «‬زحف» الريسوني‮ على تيندوف

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‬# أن نقول بأن الريسوني‮ ‬أخطأ في‮ ‬التقدير‮ فذلك ‬ليس‮ ‬دفاعا عن الجزائر‮ ‬وأن نقول بأنه مصيب فهذا ليس دفاعا عن الفقيه ‮!# ‬

اعتقد الفقيه أحمد الريسوني‮ ‬أنه‮ ‬يحسن الفعل عندما قال بأن المغاربة مستعدون للزحف على تيندوف‮ ‬وعلى الصحراء إن دعا الملك إلى ذلك ‬دفاعا عن الوحدة الترابية‮.‬ وعناق تاريخي!
وكان ذلك كافيا لكي‮ ‬تتحرك الآلة الإعلامية والدعائية للجزائر،‮ ‬في‮ ‬التعبير عن سوء نية واضحة في‮ ‬تحميل موقف‮ ‬أحمد الريسوني‮ ‬أبعادا لا تخطر على أي‮ ‬كان من المغاربة‮.‬
‮‬ومنها أن الريسوني‮ ‬أصبح‮ ‬فجأة‮ ‬فقيه المخزن ومحدِّث القصر والناطق الرسمي‮ ‬باسم الدولة‮.‬
ومنها أنه‮ صارت لمعناه حمولة ديبلوماسية وأخرى عسكرية‮ ‬في‮ ‬غزو الجزائر‮..‬ ولماذا لا نزوع لاشعوري لوجود مخطط حربي يشكل العقل الباطن.
لا بد من توضيحات في سياق الحاضر وفي الماضي عندما يتم تحيينه..
1 ـ إن كان لطرف ما أن‮ ‬يغضب‮ ‬من تصريحات الريسوني‮ ‬الخارجة عن السياق،‮ ‬فهو المغرب‮. ‬فقد اتضح أن تصريحات الريسوني‮ ‬تجري‮ ‬عكس الاتجاه الذي‮ ‬يريده ملك البلاد منذ مدة، وما جدده في‮ ‬خطاب العرش الأخير، حيث أن تصريحات الريسوني‮ ‬تأتي‮ ‬بعد أقل من أسبوعين علي‮ ‬خطاب العرش الذي‮ ‬دعا فيه ملك البلاد إلى‮ ‬فتح صفحة جديدة‮..‬في تاريخ المغرب والجزائر. إذن نحن أولى بالغضب لأننا نعتبر بأن تصريحات الفقيه لا تراعي‮ ‬السياق الذي‮ ‬وردت فيه‮. ‬
2 ـ الجارة الشرقية،‮ ‬لم «تجد» أي مناسبة جدية للتحاور مع صاحبها أو‮ التفاعل معها‮. ‬وهي‮ ‬دعوة عاقلة وممتدة في الزمن والمكان ومؤسِّسة وتملك‮ ‬غير ذلك‮ ‬من مقومات العقلانية والصلاح‮.‬
لكن التفاعل الأهوج جاء مع تصريح محكوم بعقلية صاحبه وقراءته للتاريخ ورأيه (حتى) في المرحلة الحالية‮…‬
وعليه فالظاهر والثابت في الوقت ذاته، أن الطرف الآخر، ارتمى على الكرة الطائرة ليجعل منها ضربة جزاء في معركة ما زال يراها حاسمة ضد المغرب.
وقد جاءت في التوقيت المناسب،‮ ‬ على شكل أول خرجة من وجه مغربي،‮ ‬غيررسمي‮،‬ كانت الطغمة في‮ ‬حاجة إليه وإلى ‮أبسط زلة لسان أو فلتة قلم لكي‮ ‬تعيد الأسطوانة إلى‮ ‬نقطة الشرخ الأصلية فيها:» لمراركة يتآمرونا علينا«‮..‬
3 – تم استعمال كل المنصات الحزبية التي‮ ‬يملكها العسكر،‮ ‬من حركة مجتمع السلم (حمس الجزائرية) إلى مجلس شورى جبهة العدالة والتنمية‮!!! (‬ايه نعم‮ ) ‬مرورا بحركة البناء الوطني‮ ‬ورئيسها بنقرينة عبد القادر‮.. ‬وكلهم رؤوا في‮ ‬تصريح أحمد الريسوني‮ ‬دعوة إلى «الفتنة وتأجيج الصراع بين الإخوة والمسلمين»..!‮ ‬
واكتشفوا أننا إخوة وأننا لم نعد دولة «هوك» ولا نحن العدو الأول في‮ ‬ قاموس النظام الذين‮ ‬يحكمون معه‮…‬
ونسوا بالفعل أن الحرب الحقيقية التي أعلنتها الطغمة مازالت قائمة‮‬…
والبعض منهم ذهب إلى التلويح باتساع الحرب الدولية في أوكرانيا باعتبار أن صاحب الدعوة عليه «تحمل تبعات ضمن الظروف الدولية والإقليمية المتوترة التي‮ ‬لا تتحمل مثل هاته الخرجات التي‮ ‬تلهب نيران الفتنة» (كذا)‮..‬كما لو أن حوارا، خاطئا، أكثر قدرة على تأجيج الحرب من مناورات مستمرة ومتواصلة على الحدود البرية والجوية والبحرية للمغرب!
ـ ليست تيندوف في سياق حديث أحمد الريسوني، إحالة على تراب جزائري محسوم، بل هي في تقدير العبد الفقير لحكمة ربه، وعاء الانفصال، وهو عندما يتحدث عنها لا يفعل ذلك من باب الحرب على الجزائر بل من باب الحرب على الانفصال..هل له الحق في ذلك؟
هذا أمر آخر..
لكن المهم هو أن تيندوف هنا ليست التراب الجزائري،‮ ‬الذي‮ ‬نسيت الآلة الدعائية أنها منحته للانفصاليين…
إنه جمهورية الانفصال وتراب دولة وهمية وقاعدة عدوان عالق يحركه العسكر كلما أراد‮، وليست تيندوف‮‬،‮ ‬كما في‮ ‬المعنى السيادي المباشر‮ ‬غير التراب الجزائري‮ الذي تخلت عنه لاتهامها ووزعت أشباح جمهورية وهمية علي خيامه!‬
والجميع يعرف بأن هناك قرارا جزائريا يقضي بـ« تفويض تدبير مخيمات تندوف لميليشيات جبهة البوليساريو، شبه العسكرية »، وهو بحد ذاته يعد انتهاكا للقانون الدولي.
وسبق للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان أن أكدت هذه الوضعية في ملاحظاتها الختامية حول التقرير الدوري الرابع وأعربت من خلاله عن «قلقها من تفويض الجزائر الفعلي لسلطاتها، ولا سيما الاختصاص القضائي للبوليساريو»، بل كان ذلك هو جواب الحكومة الجزائرية نفسها على تقارير حقوقية في نفس الاتجاه!!!
بعد كل هذا، هل الفقيه قدر معنى كلامه وسياقه، كما يقول أهل المنطق الذي يعطي للكلام معنى؟
كلا، لم يصن لسانه عن زلاته، ولا استحضر معناها في شرطية محددة.
وكان يمكن أن نستنجد بخطاب الراحل عبد الكريم الخطيب للفقيه عند حادثة لسان سابقة بخصوص إمارة المومنين ونكفي النفس شر التعقيب، ونقول إن سذاجته (وهي كلمة أقل حدة بكثير من كلمة الخطيب فيه ) تعبير عن سوء تقدير بنيوي عنده.. غير أنه سيكون من غير المقبول أن تكون ذريعة التصعيد لدى الجيران كلامَ فقيهٍ لا يلزم الدولة في شيء!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 18/08/2022