‮‬المغرب في‮ ‬أجندة الناتو والعكس 2/2

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

‫ـ حسب موقع ‬ Business Insider يعتبر الناتو الجزائر «تهديدا لأمن أوروبا» بل تعتبر إسبانيا أن روسيا هي التي ألبت عليها الجزائر في أزمة الغاز، وهنا يلتقيان في تقدير الموقف الجيواستراتيجي، قد يفيد المغرب كثيرا…
وهو ما يقف وراء «محاولة إقناع شركائها بأهمية الجناح الجنوبي،‮ ‬ولهذا أيضا تلوح مدريد بالتهديد الروسي‮ ‬في‮ ‬إفريقيا،‮ ‬ولمحت أيضا إلى أن موسكو هي‮ ‬التي‮ ‬تقف خلف خلافها مع الجزائر» كما كتبت تقارير صحافية فرنسية وإسبانية..‮.‬
لعل ذلك ما لمح إليه وزير خارجيتها ألباريس عندما قال «للأسف،‮ ‬التهديدات التي‮ ‬تأتي‮ ‬من الجنوب هي‮ ‬أكثر فأكثر تهديدات روسية آتية من الجنوب‮». ‬
إسبانيا تدافع من أيام خافيير سولانا عن ريادة أوروبية في‮ ‬المتوسط بواسطة الناتو نفسه، وهو أمر كانت واشنطن تحاصره ولا تسمح باتساعه‮.. ‬وتجلت إرادتها دوما في ذلك إلى جعل القيادة بيدها كما الحال الآن في شخص الجنرال أندرو روهلينغ، قائد فرقة العمل في جنوب أوروبا-إفريقيا التابعة للجيش الأمريكي ونائب القائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا وإفريقيا، وتظل تصر على أنها هي‮ ‬التي‮ ‬تحدد النظام المتوسطي‮ ‬الجديد‮…‬
ـ المطلب الإسباني بالتركيز على مخاطر الجنوب القريب يتعارض مع مواقف دول أخرى ومنها فرنسا، التي‮ ‬ظلت تفضل ابتعاد الناتو عن منطقة المغرب الكبير نظرا لعلاقاتها ويجب أن تقبل بهذا التحول الكبير في‮ ‬المفهوم الاستراتيجي‮ ‬والبوصلة الأمنية الأوروبية‮..‬.
ـ يرى محللون أن ثمة عقبة أخرى أمام مدريد وهي‮ «‬أن دولا أعضاء أخرى في‮ ‬الحلف منخرطة في‮ ‬إفريقيا على‮ ‬غرار فرنسا وإيطاليا وتركيا،‮ ‬لديها أهداف أخرى،‮ ‬ما‮ ‬يجعل تبني‮ ‬استراتيجية مشتركة للحلف صعبا‮».‬
ويقولون إن‮ «‬التهديد الإقليمي‮ ‬الوحيد هو روسيا‮. ‬منطقة الساحل‮ ‬يمكن أن تزعزع استقرار أوروبا،‮ ‬لكنها لن تقتحم إسبانيا أو إيطاليا‮».‬
ـ ‬إسبانيا لديها مع المغرب وبريطانيا، العضو المؤسس في الناتو، مشكلة حدود‮ ‬أولا وتغيير المقاربة فيها هي‮ ‬الركن الأساس،‮ ‬إضافة إلى الهجرة السرية‮، الأمن الطاقي‮ ‬وسباق التسلح‮، ‬وعليه تقترح تلاقيا‮ ‬استراتيجيا‮ ‬بين الناتو والاتحاد الأوروبي‮ ‬كما دافعت عنه في‮ ‬مؤتمر برشلونة لمنطقة تعتبرها تقليديا ضمن أولويات سياستها الخارجية…‬
الأجندة الواسعة للناتو تشمل أيضا اختراق جميع الرهانات الدولية‮: من ‬الأوبئة إلى ‬المناخ‮‬،‮ ‬مرورا بالجريمة الإلكترونية‮..‬ وهي مجالات أثبت فيها المغرب جدارة لا يستهان بها سواء من خلال احتضان قمة المناخ في مراكش، وتوليه تفويضا إفريقيا في المجال أو من خلال ريادته في تدبير المحيط الإفريقي والداخلي في زمن الوباء وبناء قاعدة أساسية، ضمن مواجهة الوباء والجريمة المنظمة.. (زيارة الحموشي لواشنطن ولقاؤه بكبار قادة الأجهزة)…
لقد كان واضحا أن المغرب الذي يملك بعثة مهمة عسكرية في‮ ‬مقر الناتو ببروكسيل‮ والعمل المشترك بين اللجنة العسكرية للحفاظ على الأمن الأطلسية والقوات المسلحة الملكية‮، يعني أن‬ الاستقرار في‮ ‬شمال إفريقيا‮ ‬يمر عبر توطيد التعاون مع الرباط‮ ومنح المغرب وضعا اعتباريا يتميز به كشريك له الأفضلية والتميز‮…
لقد حضر المغرب اللقاء الذي نظمه الناتو في قاعدة رامشستاين، وجمع 40 دولة من حلفاء واشنطن إضافة إلى مدعوين آخرين، لكنه في الوقت نفسه «يدبر السيناريوهات الجيواستراتيجية» بناء على قضيته الوطنية، والتي تجعل لروسيا موقعها في القرارات التي قد يكون لها تاثير سلبي، من باب تعطيل قرارات لصالح المغرب..
وفي هذا الجانب يمكن أن تساعد إسبانيا على اتخاذ مواقف مقدمة من قضيته الوطنية بالدفاع عن خياراتها مع المغرب، إذا سلمت بأنه التوأم الجيواستراتيجي لإسبانيا من زاوية التحالفات الكبرى وقيادة الموقع السلبي للجزائر منهما معا ومن الناتو.. وقد فتحت ترابها للجيش الروسي وقواعدها لألويته.
‫-‬ لقد سبق لصحافي ومحلل إسباني هو بيدرو كناليس أن طرح السوال: هل ما زالت إسبانيا حارسة لمضيق جبل طارق؟ ‬
España, sigue siendo Guardián del Estrecho منذ قرابة ستة أشهر، وكان ذلك في عز الأزمة مع المغرب، وجاء سؤاله على هذا الدور الجيواستراتيجي بناء على ما اعتبره تعقيدات وتحولات جيوسياسية وعسكرية في غرب المتوسط. وتزامن السؤال مع ملاحظة أساسية تهم عبور حاملة الطائرات هاري ترومان عبر المضيق بدون مرافقة البوارج البحرية الإسبانية، كسابقة في تاريخ المضيق وتاريخ العلاقات البينية، وقد رافقتها خلالها الفرقاطة المغربية علال بن عبد لله! وهو ما علق عليه الأميرال كورت رانشاو بالقول «كانت تجربة كبيرة لفريقنا العمل إلى جانب البحرية الملكية المغربية… والتعاون معها عبر مضيق جبل طارق يبين صلابة الشراكة البحرية مع المغرب والتزامه لفائدة القانون الدولي»‮. وقتها كانت مدريد تعتبر أن أمريكا تعمل على تقوية موقع المغرب والرفع من قدراته على حسابها…
لا شك أن مدريد تدرك من يصنع النظام المتوسطي الجديد على ضوء الحرب الأوكرانية، وهي تدرك أيضا أن احتضانها للقمة لن يكون طريقا لإضعاف المغرب، بموافقة حلفائه في الناتو…
ـ لقد كان الرد واضحا من طرف الأمين العام للناتو، ينس ستولتنبرغ عندما قال «أظن أن الحلفاء سيعلنون بوضوح أنهم يعتبرون روسيا التهديد الأكثر أهمية والأكثر مباشرة لأمننا».علي هامش إعلان رفع عدد القوات عالية التأهب إلى «أكثر بكثير من 300 ألف جندي» في وقت تعزز دفاعاتها على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا. وهذا التوجه يضعف موقف إسبانيا في الواقع، التي لم تتعد العتبة المطلوبة في ميزانية الدفاع. وقد سبق أن تعهد الحلفاء بتخصيص 2 ٪ من ناتجهم المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي في العام 2024، ولكن تسعة فقط من الأعضاء الثلاثين وصلوا إلى هذا الهدف في العام 2022، في حين نجد أن إسبانيا، «الدولة المنظمة للقمة، قد حلت في المرتبة ما قبل الأخيرة في اللائحة بوصولها إلى نسبة 1,01 ٪، وذلك قبل لوكسمبورغ (0,58 ٪)» بحسب أرقام نشرها الناتو أول أمس الاثنين.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 29/06/2022