الاتحاد وعشرون سنة من العهد الجديد -2-.. ثمن الالتزام والثبات على الثقة، والمنهجية الديمقراطية ووحدة الحزب…

عبد الحميد جماهري
بدأ العهد الجديد، بتجديد الثقة في اليوسفي وفي حكومته.ففي أول خطاب ألقاه جلالة الملك محمد السادس، وفي 30 يوليوز 1991، نجد هذه الثقة في المنطوق التالي:«وسنظل نسند جهود جلالة الملك الراحل الذي جعل منها حكومة التناوب تطبيقا للنهج الديمقراطي في التداول على السلطة، وأناط مسؤولية وزيرها الأول بالسيد عبد الرحمان اليوسفي الذي توسم فيه جلالته حسن التوفيق والذي سيلقى منا كل سند ودعم».
هل كان ذلك منطقيا وسلسا لدى كل الفرقاء السياسيين وتقبله الجميع بنفس التقديرالسياسي؟
أبدا، فقد كانت الثقة موضوع رهان قوة كبير، تحددت من حوله المواقف..
ولإعطاء نظرة عما كان يعتمل في اللحظة تلك، نعود إلى تصريح للمرحوم الدكتور الخطيب رحمه لله، وهو من هو في نسيج الدولة المغربية وتاريخها، عندما تمت إعادة الثقة في اليوسفي وحكومته..
لقد سأله صحفي المستقل (فبراير 2000) عن ذلك، فكان جوابه «من قال لك بأن صاحب الجلالة جدد الثقة في الوزير الأول، إن الحكومة تروج لما تشاء بحكم سيطرتها على وسائل الإعلام العمومية، فقد أصبحنا نعيش في ظل ثقافة الحزب الوحيد «؟هل يكفي القول إن الدكتور الخطيب كان يقول كلاما خطيرا لكي نلمس بالفعل درجة التوتر؟ أم نكتفي بابتسامة تشفق على حالتنا وقتها وتحفظ للرجل مع ذلك تاريخه الوطني؟ إن الأمر يستدعي بالفعل الاحتكام إلى المنطق الذي يسير فيه وعليه العصر الإعلامي الحالي؟ «لقد صدرت الصحف الوطنية بعناوين عن لقاء جلالة الملك بالأخ عبد الرحمان اليوسفي الذي تم؟ كما أن التلفزيون نقل صورا عن هذا اللقاء بنفس التعليق والمادة الإخبارية، واطلع المغاربة كل المغاربة ـ على هذا الخبر، وما من شك أن القصر الملكي وجلالة الملك نفسه على علم بما يقال، أويصدر باسمه ؟لكن كل الناس، كل المغاربة، كل المعنيين كانوا على خطأ، أوالأنكى من ذلك أنهم لم يروا سوى توليف (مونطاج )مفبرك أوعزت به الحكومة إلى وسائل الإعلام تقول فيه عكس ما وقع »!! كما كتبنا وقتها…
وهو مقطع بسيط من أشياء تقشعر لها الأبدان اليوم، يوضح الرغبة في تلغيم العلاقة بين الاتحاد والعهد الجديد..
لقد دفع الاتحاد من لحمه ووحدته ثمنا لانخراطه المسؤول والعملي في ترتيبات العهد الجديد، على مستوى الحكومة والجهاز التنفيذي وتأمين الانتقالات الكثيرة التي وردت في أجندة العهد الجديد…
ليس زخرفا ولا ترفا أن نعيد إلى الأذهان أن تلك المثابرة ،وقبل الانتخابات ،قد كلفت الحزب حدوث اختلافات في تقييم هذا الالتزام، أفضى كما هو معلوم إلى الكثير من التباينات ،وغادره العديد من أطره ومن منظماته، وكان واضحا أن الأشياء التي جاءت من بعد لم تسعفه كثيرا في ترتيب اوضاعه الداخلية بما يزيد من صلابته.
صحيح أن المغاربة قدروا هذا المجهود، وأعادوا الثقة فيه، في انتخابات نهاية الولاية في 2002 بالرغم من الشراسة القوية التي لقيتها تجربته، والحملات التي تجاوزت المعقولية السياسية والإعلامية ومست أعراض الناس وحياتهم الخاصة..
وكان ذلك طريقا سالكا إلى تبوئه الرتبة الأولى.. غير أن هذا الامتياز الانتخابي الجيد، كان من ورائه امتحان آخر، في تحمل المسؤولية.
ولما طرحت مسألة المنهجية الديمقراطية، تزامن ذلك مع ما لم يكن في الحسبان، وتحالفت قوة متباينة ظاهريا وأصدرت بيانا مشتركا من أجل أن تمنع الاتحاد من تشكيل الحكومة.
ولما تعين ادريس جطو، أدرك الاتحاد أن الدستور يعطي جلالة الملك حق التعيين، لكنه أصدر بيانه الشهير ليشير إلى ما تمليه المنهجية الديمقراطية في هذا الباب، دون أن يصل بهكذا موقف إلى درجة الدخول في تقدير مخالف لميزات العهد الجديد وحافظ على الثقة، التي محضتها المؤسسة الملكية في عهدين للأخ عبد الرحمان اليوسفي ومن ورائه الاتحاد ،لأجل قيادة المرحلة…
وبخصوص المنهجية الديمقراطية، فقد كان اللجوء إليها من خارج الدستور، وهي لم تعد تعني الدستور، إلا من بعد 2011، لما تمت دسترتها.
وبمعنى آخر، فلم يكن سندها في الدستور، بل في السياسة بدون تحميلها أكثر مما تحتمل وقتها.
كان على الاتحاد أن يدفع من وحدته ثمن استمراره في الثبات على العمل مع العهد الجديد، وأيضا في الدفاع عن تطوير الممارسة السياسية من خلال المنهجية الديمقراطية وتوفير الشروط لكي تصبح ترصيدا دستوريا من بعد.
وفي سلم التقدير كان تكريس الثقة مع العهد الجديد أكثر أولوية من غيرها..ولذلك شارك في حكومة جطو وقتها، بما لها وعليها وبما لموقفه وما عليه…
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 07/08/2019