أرقام فظيعة .. لا تخيف أحدا!

عبد الحميد جماهري

كشف الإحصاء الوطني الذي أجري في السنة الماضية، وتم الكشف عن أرقامه من طرف المندوب السامي الجديد للتخطيط، عن أرقام فظيعة للغاية، كما كشفت أرقام المجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، عن أخرى لا تقل خطورة، وكلها تصيب المجتمع في صميم حاضره ومستقبله? الشباب !؟
مع ذلك لا يبدو أن الأمر يثير الهلع في الدوائر المسؤولة ولا الهلع عند مراكز القرار، بالعكس يبدو أن هناك حالة نفي للواقع تصل درجات متقدمة من الطمأنينة، التي تثير فزع من يهمه أمر المجتمع .
الإحصاء كشف لنا عن معدل بطالة يفوق التوقع، لم يسبقنا إليه لا إنس العالم الثالث ولا جان العالم الأول.
المعدل الرهيب الذي كشفته الإحصائيات يفوق21%.
وكالعادة توزعت ردود الأفعال عندنا بين وصفات تقليدية:إما..»كم حاجة قضيناها بتركها.« أو باعتبار أن »الزمن سينسي الناس في دوائره «!
وبعضنا، الأكثر اجتهادا مثل الحكومة والمؤسسات التابعة لها، توجه للبحث عن أسباب وجود هذا الرقم في «كذب« المغاربة على لجن الإحصاء حتى لا يضيع منهم ……» الدعم»!
أنا أكذب إذن أنا موجود! في قلب هذا المنطق، كل الذين يستفيدون من الدعم أعلنوا أنهم بطاليين!
حتى ولو أن طرح عددهم من العدد العام لن يبرر هذا الرقم الفظيع.
وبالرغم من أن الهدف الأسمى للسياسة، تحت شعار الدولة الاجتماعية، هو تعويض الدعم المباشر.. بالدخل المريح والخروج من منطق الرعاية الإحسانية مدى الحياة إلى الوجود المحصن بالعمل ومناصب الشغل، فإن الواضح أن الحكومة استشعرت الجدوى باستبدال الحديث عن أرقام المستفيدين من الدعم، عوض الذين نجحت سياستها في اندماجهم الفعلي عبر القوة العملية.
المجلس الأعلى للحسابات حضر إلى البرلمان في شخص رئيسته، وفجر قنبلة رهيبة مفادها أن عدد الأميين في المغرب، وفقا للأرقام المسجلة في نهاية 2024، بلغ سبعة ملايين ونصف المليون أمي وأمية، ولا يبدو أن قطاع التعليم والتربية يحظى بما يكفي من الشعور بالقلق والخوف اللازم لمعالجة هذا الوضع.
لأن من لا يفزع لرقم مثل هذا لا يمكنه أن يثبت خوفه على مستقبل خمس سكان المغرب غدا، ولعل الرقم سيزداد .
لا تعبئة ولا تحسيس. ولا استشعار. لفداحة هاته الأرقام: بل العكس هو التطبيع معها كما لو أنها أرقام عادية في وطن عاد!
الرقم الوحيد، المفزع بدوره، الذي كان له امتداد في الفضاء العمومي والسياسي، وكانت له تبعات، هو الرقم الذي جاء به المجلس الاقتصادي والاجتماعي أيام أحمد الشامي!
ليس الرقم هو الذي أفزع الجهاز التنفيذي أو أغضبه بالتدقيق، بل هو تزامنه مع تقديم الحصيلة.
الزمن لا الخطورة
التزامن لا الفداحة…
لم يكن من حق المجلس الأعلى، والحكومة في لحظة انتشاء سياسية ومؤسساتية ودستورية، أن يكدر صفوها ويعلن أن قرابة خمسة ملايين مغربي هم خارج كل الدوائر: لا هم في التعليم ولا في التكوين ولا في الشغل، وأنهم خلايا الخوف النائمة بين ظهرانينا.. »النيتيون« كما أصبحوا يسمون «لا تعليم، لا تشغيل، لا تكوين» (بالإنجليزية: Not in Education, Employment, or Training).
وفي كثير من التعبيرات السائدة دوليا تحيل على ما يقابلها مثل «الحالة صفر» (status zero) ..
وكانت حقيقة الأرقام قد كلفت رئيس المجلس منصبه، وكان المبرر هو أن الرجل لعب لعبة المعارضة ..!
وحقيقة، لا يهمنا في السياق الحالي نوايا كل الذين تعاقبوا على المؤسسات التي قدمت هاته الأرقام.
الذي يهم هو حقيقتها الصاعقة باعتبار فئة سياسية اجتماعية ذات ثقل خطير على مجتمع في طور التحول والسعي إلى نموذج تنموي جديد برهانات كبيرة لا تخفى على أحد!
والفارق أن الحكومة التي تتحدث عن »الانتقال الرقمي«، لم تفكر في هاته الأرقام كما يجب وكيف يمكن لهذه الثورة أن تشكل الحل الجذري لكل ما تقدم solutionnisme ، للخروج من هاته اللوحة غير المرضية والتي لا تشرف أحدا..
أرقام أخرى ذات حمولة مالية، ما زالت تتداول في كل التقارير ، من قبيل 40 مليار درهم خسارة سنوية تهم المؤسسات والمقاولات العمومية،. وهو رقم مهول، يسجل سنويا، حتى عاد مألوفا.
وبالرغم من دعوة الملك إلى إعادة النظر في هاته المؤسسات، منذ 4 سنوات، فإن الموضوع لم يعرف أي مجهود يذكر، إذ تحافظ على هاته المؤسسات لتوزيع الثروة والجاه المجتمعيين بين مجموعات أو سلالات بعينها. فلا يعقل بأن تظل هذه الخسارة بدون معالجة سريعة في وقت تحتاج فيه الخزينة العمومية إلى ملايير الدراهم، ليس أقلها ملايير الحماية الاجتماعية والأوراش الكبرى التي تنتظر المغرب. ولا يعقل بأن تكون الإرادة الملكية واضحة في مثل هذا الباب الذي لا يحتاج إلى تأجيل لحل المعضلة كما في الأمية والتعليم والشغل والتكوين.. وتكون الإرادة التنفيذية متأخرة!
هناك نوع من استصغار وتبخيس المصادر التي تأتينا بهاته الأرقام، من طرف الجهاز الحكومي، الذي يحول الموضوع إلى صراع ديكة عوض البحث عن تفعيل ما ورد في التقارير، والبحث عن تظافر الجهود بين المؤسسات، لتجاوز وضع غير مقبول بالمرة..
اللهم فاشهد !.

 

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/01/2025