أفكار مستوردة من الواقع المحلي…. 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

لا يمكن للسياسة أن تشبه الرأسمال. من حقه أن يكون جبانا أما هي، فمهمتها أن تكون جريئة، ومقدامة ومتميزة، ولا تبحث عن الربح السهل.
عندما تكون السياسة بعيدة عن الرأسمال وعن التمويل المالي الفاحش.
كثيرون يعتقدون، عن حسن نية وعن كسل ديموقراطي متقدم، أن البلاد قد تُدبَّر كما يدبر مكتب دراسات.
وهم واهمون، ولكن لا يمكن أن نتهمهم بالكذب، هم صادقون جدا في وهمهم،
وقد أنفقوا أموالا طائلة في سبيل ذلك.
أحدهم وقف بعد الانتخابات بكل وقاحة وهو يتساءل مستنكرا. أين أصحاب الإيديولوجيا كلهم سقطوا وبقينا نحن.
لا أحد يرى الحفرة التي يسقط فيها ولكن المنهزمين كانوا يرون بلادنا في وضع صعب.
يشعر الليبراليون فيه بالغبطة وهم يتابعون مسار. نزع السياسة عن العصر الحديث أو ما يعتقدونه كذلك.
ويعتبرون أن نقاش الأفكار تمرين سقراطي متجاوز، بل إن الخضوع لامتحان المفكرين الكبار والأفكار الكبيرة ترف فكري، لا يعنيهم…
عن الذين يصدحون بليبرالية مستجدة، أقرب إلى أسلوب من الموضة…
والليبراليون، الفصيلة المستوردة عن حق في بلاد المغرب، عكس التقدمية والاشتراكية والتفكير الجماعي، يفرحون بغبطة رأسمالية متعجرفة…
انظر إليهم وهم يصنفون أنفسهم.. في الوسط الراديكالي.
السياسة عندهم جبانة لا تقول بضرورة تعليق الدولة الاجتماعية، ولكنهم يقولون بأنهم معها،وهي أمنية؛
وضدها عندما تتعلق بالأسعار
والكتب المدرسية
والمصحات
وعلب السردين للعاملين في ظهيرة حارة..
الوسط الراديكالي، كما يرونه، لا يجاور الأفكار
تلك أوبئة تصيب عادة الفقراء والطبقات الوسطى والجماجم المؤهلة للسقوط في الرومانسية.
والمعجزة عندنا أن الليبرالية يمكنها أن تعيش بدون الحاجة إلى ليبراليين
والعكس أيضا صحيح لدينا ليبراليون جاء بهم التصنيف العام للطبقات والمدارس الفكرية
بدون الحاجة الى إثبات مهارة فكرية ليبرالية..
الليبرالية عندنا تشبه الأسواق الأسبوعية، وببعض الخيام العابرة فقط، يمكنك أن تكون ليبراليا..
أنت ليبرالي محسن ولا تتنازل عن أرباح المحروقات هذه الصيغة التي أصبح عليها الوسط الراديكالي.
لكي تكون ليبراليا مثلا يجب ألا تحب ليبرالية الأخرين..
ولا تحب الاشتراكية بطبيعة الحال
ولا تحب التقدمية ولا تحب السيادة التي تخدم الفقراء..
السيادة الجمركية التي تحمي أموالك، هي الوحيدة الكفيلة بأن تسترعي اهتمامك..
الليبرالي المغربي، يدرك بعد كل انتخابات أنه يعيش ما بعد السياسة،
هو وحده الذي يدرك معنى أن يكتب فوكوياما عن نهاية التاريخ.
يكفيه كتاب واحد للصلاة الرأسمالية المقبولة.
كتاب نهاية التاريخ وبداية الربح السهل..
بالنسبة لليبرالي المغربي الذي خاض الانتخابات بشيكات مملوءة وأخرى على بياض، المهمة النبيلة الوحيدة للسياسة هي أن يربح الانتخابات، ويقتل أية فكرة عن المثل السامية وعن المعنى الوطني الكبير..
ومن غرائب الليبرالية الوطنية أنها لا تربط علاقات مع الليبراليات في العالم الحر.
ولا قضية لها تعبئ من أجلها المواطنين. الأجيال من أجل أن يرتبطوا بفكرة نبيلة عن الانتماء..
انظروا كم من حزب ليبرالي لدينا، لا تربطه بالليبراليين في العالم أي قوة تأثير..
لا شبيه لليبراليينا
وبالرغم من أنهم يصبحون ويمسون على الافتخار بأنهم أنقذوا أنقذونا بالكاد من الحزب الواحد والفكرة الواحدة ومن الاشتراكية والحرب الباردة
فهم لا يعرفون لهم تاريخا
ولا يستطيعون أن يحددوا بالضبط متى وجدوا ومتى ولدوا ومتى لن يموتوا.
العقلانية الواحدة هي التي تجمع المال في نهاية المعادلات.
والواقعية الليبرالية في المغرب حقا، ماكرة وماهرة تعرف أن الواقع جد متشابك، ولا توجد هناك أية نظرية أو عقيدة سياسية يمكنها أن تفسره ببساطة أو تتضمن تعقيداته.
ومنها أنه لا بد أن تموت أي فكرة مثالية أو أخلاقية لا يكون الربح من ورائها.انظروا كم يجنون من الأموال في الوقت الذي تصرخون فيه بالغلاء؟

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 02/06/2022