اختراق مغربي في أمريكا اللاتينية: المكسيك قادمة!

عبد الحميد جماهري

تنقل وسائل الإعلام الرسمية الوطنية ثلاثة أخبار عن مجريات سياسية مكسيكية ذات علاقة بالصحراء المغربية. وهي مجريات يمكن، في عملية جمع وتحليل إخباري، اعتبارها اختراقا قويا لبلد، ما زال في مستويات موقفه القديم من القضية الوطنية، بالرغم من وجود عناصر عديدة تدافع وتدفع باتجاه خطوة حاسمة.
المكسيك من الدول الأولى التي اعترفت بجمهورية تندوف وأقامت معها علاقات دبلوماسية توالت التواريخ لتفعيل هذا الموقف منذ 26 سنة على الأقل؛ ففي سبتمبر 1979، خلال المؤتمر السادس لدول حركة عدم الانحياز؛ أعلن وزير الخارجية المكسيكي خورخي كاستانيدا إي ألفاريز دي لا روزا أن المكسيك تعترف بما يسمى الجمهورية الصحراوية وفي عام 1988، افتتحت جمهورية تندوف مكتبا دبلوماسيا في مكسيكو العاصمة. في عام 1979، عينت المكسيك سفيرها المقيم في الجزائر «أوسكار غونزاليس» سفيراً غير مقيم للجمهورية في تندوف؛ وهي توجد، ضمن هذا التنصيف في الكوكبة الأولى للدول التي سايرت الوهم الجيوسياسي والإيديولوجي للعسكر الناظم الجزائر. وكانت آخر زيارة لابراهيم ابن بطوش تعود إلى ديسمبر 2018، إذ قام بزيارة إلى المكسيك لحضور حفل تنصيب الرئيس أندريس مانويل لوبيز أوبرادور.
من هنا يمكن أن نقرأ التحولات التي تقع، ودرجة جديتها وأهميتها..
أول التحولات، والذي عشناه في نهاية الأسبوع الذي ودعناه، كان هو دعوة رئيس لجنة التنسيق السياسي لكونغرس مكسيكو، النائب خيسوس سيسما سواريز، حكومة بلاده إلى مراجعة موقفها بشأن قضية الصحراء المغربية..
ولعل الاعتراف هنا لا يهم تشكيلة سياسية، ومعزولة أو ذات حضور فردي، بل ان النائب المكسيكي يحمل صفة منسق المجموعة البرلمانية للحزب الأخضر الإيكولوجي، وهو الحزب الذي يعد عضوا في الائتلاف الحاكم في المكسي..هذا الاختراق الذي عاد به السفير المدير العام للشؤون السياسية الدولية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، فؤاد يزوغ، مهم للغاية. وتزداد أهميته عندما نستحضر أن الزعيم المكسيكي يتحدث من داخل منطق دولي، يتميز بالدينامية الزاحفة للمغرب، حيث وضع دعوته في إطار دينامية الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على مجموع ترابه، بما في ذلك منطقة الصحراء. وهو أيضا يضع دعوته في إطار معاينة ديبوماسية تكشف عن بلاده تدخل في نطاق دولي ضيق حيث أن عددا قليلا فقط من البلدان ما زال يعترف بالجماعة الانفصالية..
ثانيا، يضاف هذا الموقف إلى موقف له دلالات تاريخية وسياسية وإيديولوجية عميقة بالنسبة للمشهد السياسي المكسييس والأمريكو-لاتيني، وهو الموقف الذي عبر عنه الحزب الثوري المؤسساتي (السلطة في المكسيك) بأسماء متتابعة لمدة 71 سنة. الحزب الثوري المؤسساتي عضو في الأممية الاشتراكية وهو حزب عمره يقارب قرنا من الزمن ، وإن كان قد وجد قبل أن يولد، باعتبار أن وجوده ينسب إلى أول زعيم مدني للفصيل الدستوري الذي فاز في الثورة المكسيكية.
هذا الحزب، الذي يلخص الحياة السياسية، هو الذي كان قد احتضن الاعتراف بالجمهورية الوهمية.وقد صرح رئيس الحزب أليخاندرو مورينو، أن حزبه يجدد التأكيد على تضامنه مع النضال المشروع للشعب المغربي من أجل الدفاع عن سيادته على الصحراء.
العنصر الثالث في الاختراق، حول الخطوة المعلنة والقوية التي قامت بها الكتلة الاقتصادية والانتاجية الأولى، مجلس تنسيق المقاولات بالمكسيك، باعتبارها أكبر هيئة أعمال في هذا البلد الأمريكي اللاتيني، والتي عبرت عن نفس الموقف. ولا يخفي الدور السياسي للمجلس، وتأثيره في القرارات عمل المجموعة متكتم وليس سريا.
نحن إذن أمام مناخ سياسي إيجابي لفائدة المغرب، يغطي طبقات السياسة والبرلمان، بمعارضته وأغلبيته وطبقة المال والأعمال، وهوما يشي بوجود مناخ ايجابي ومناسب للخطوة الرسمية للبلاد..
المكسيك قادمة؟ ربما بدأت بوادر العمل والابتعاد عن «الورطة» الانفصالية مع تصويت المكسيك في مجلس الأمن وكان آخر اختبار دولي، هو التصويت على قرار مجلس الأمن سنة 2022، عندما كانت تحتل مقعدها عن أميركا اللاتينية ودول بحر الكاريبي وهو القرار رقم 2654 الذي حصل على 13 صوتا وامتناع دولتين هما روسيا وكينيا. و شدد النص الجديد على الحاجة إلى تحقيق حل سياسي واقعي وعملي ودائم ومقبول بما يعطي التفوق للحكم الذاتي.

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 03/03/2025