الأساطير المؤسسة لـ «غزوة» التراويح

عبد الحميد جماهري

نتشوق الى التراويح : إلىالتراص في مقام العشق الروحاني،جنبَ كثيرين لا نعرفهم ويعرفهم لله من أعلى ربوبيته.
نتشوق، حد النشيج، إلى أضواء المسجد، وزرابيه، وجلالبيب المصلين البيضاء وعباياتهم وعطورهم التي تملأ المكان،وأطفالهم الذين يمهرون المكان ببياضهم الوحي.
نتشوف إلى الحشود ، مناكب قرب مناكب، وكل واحد فيها فرد! حشود، في العزلات الفردية، التي لا يقدرها عليها سوى الابتهال المقدس..
وحين لا نستطيع ، نهدهد ارواحنا، ونتهجد في غرفنا البسيطة، الكنبات ودولاب الملابس واحيانا بعض الكتب، لعلنا نستطيع أن نجد خلوة لنشحذ النفس التي غِبنا عنها طوال السنة ونناجي ربنا… راجين منه تعالت قدرته أن ينشر لنا من رحمته وتعود التراويح الى جدول أعمالنا الليلي، ويلهم اصحاب القرار وصفة للترويح عن المصلين!
ومع ذلك، مستعدون للخروج إلى الشارع لكي نطالب بفتح المقاهي، والمطاعم ليجد الناس غدائهم من قوت الارض.. ولن نخرج الى الشارع لنطالب بالتراويح لأن المؤمن يحمل لله في قلبه، وغذاءه من قوت السماء لن يحتاج الصياح في الازقة..
لهذايستغرب هذا التصعيد حول التراويح، ويبحث عن ما فيه من صَنَمية، ومن «طوطمية» سياسية لا علاقة لها بقلبي وقلبك وقلب ملايين المغاربة.. ولا نحتاج هنا إلى كل الترسانة الدينية والتاريخية والعقائدية والصوفية، للدفاع عن روح المغرب الدينية السمحة والمتأصلة، بل نحتاج الى بعض من الجدل الشفيف حول الأساطير المؤسِّسة للغزوات اياها.
إذ تقوم هذه الغزوات المنظمة ليلا، على أساطير عديدة،يحسُن بنا، من باب حُسْن العبادة والتقرب الى لله ان نفككها، ونحدد مضامينها، ولله من وراءالقصد.
الأسطورة الأولى، هي »الشعب يريد التراويح«: الشعب في غالبيته المؤمنة، يصليها في البيوت بدون الحاجة إلى المظاهرات. والمغاربة المطمئنون الى حسن الظن بخالقهم يفعلون كما فعل محمد ابن عبد لله صلوات لله عليه، حيث صلاها بغير ما اعتدنا عليها منذ سنين او قرون عديدة.
وفي ذلك قولان : قول يرى بأن عمر هو من جمع الناس على صلاة التراويح
وقول يرى بأن محمدا سن التراويح،لكنه لم يداوم المسلمين عليها.،وأنه لم يواظب عليها خشية أن تفرض على الأمة..
فهذا عبد لله ورسوله، يخشى ان تفرض التراويح، لكن بعض الجماعات والافراد يريدون ان يفرضوها على الناس!
ويريدون تحويل التراويح إلى فريضة، بقوة الاحتجاج وبالعصيان بالرغم من كون النبي الكريم، رفض أن يصل المنطق في التراويح إلى الاجبارية.
نحن أمام مفارقة كبيرة: النبي يخشى مداومة التراويح بالناس، ولا يتجاوز فيها ليال ثلاث متفرقات، وتابعين مفترضين يريدون أن يجعلوا منها فرضا بقوة الشارع!
فلو قدر لنبي لله محمد أن يكون بيننا، هل سيتوجهون بمظاهراتهم إلى بيته ليخرجوه غصبا لادائها؟
أستغفر لله العظيم من كل ذنب عظيم..
كان النبي يرغِّب في قيام رمضان، من غير أن يأمرالناس فيه بعزيمة، وهؤلاء الذين لا يشرحون للناس دينهم ،يرهبون به السلطات والمجتع برمته!
تقوم الأسطورة الثانية، على نشر الفيديوهات التي تردد آية كريمة منزوعة من سياقها «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ للَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ»
وهو قول مردود عليه، لإنه ببساطة لا أحد يمنع اسم لله في المساجد:
ومن ذلك أن الناس يصلون صلوات النهار، باستثناء ما يدخل زمانها في زمن الحجر الصحي.
والأصل إذن في الصلاة ثباتها، وأما التوقيت، فهو متروك للأجندة الصحية الوطنية العابرة.
ولا يمنع اسم لله أن يرفع في الصلوات كلها،بما فيها المغرب والعشاء، اللذان يتزامن توقيتهما مع سريان الحجر الليلي.
حقيقة الأمر أن حشد الأنفس المؤمنة بمقولات التراويح، يخفي موقفا من كل ما تسيره الدولة، حتى في قطاعات بعيدة كل البعد عن بعضها البعض..
الأسطورة الثالثة، التي نستنتجها من هذا التهييج ، مفادها أن التراويح هي الصلاة الوحيدة التي يكون فيها قيام الليل، والحال أن الرسول كان يقوم الليل في كل شهور السنة.
ولا أحد جعل من تراويح رمضان حالة خاصة، إلا بعض المغاربة الذين يدفعون الناس الى الاحتجاج على أمر لا يحكمه الموقف من الدين ،بل يحكمه الموقف من الوباء.
وهو أمر محير حقا ان يخرج مغاربة، يعرفون بلادهم حق المعرفة، بدعوى التظاهر ضد منع التراويح، كما لو أن الوضع عادي، ولا وباء فيه، ولا حجر ولا أية مخاطر، وان الدولة اكتشفت بأنها مناهضة للدين، وكلفت رجال الأمن، وهم كلهم مسلمون ومؤمنون ، ومن المتشوقين للتراويح، بأن يمنعوهم عنها!
إن الامر لا يحتاج عبقريةً لكي نخمن أن ما يدور حول القضية بعيد كل البعد عن النفحات الربانية!
إنه تضمين لرسالة خطيرة: الاحتجاج يتم وكأن الدولة أعلنت لا إسلاميتها، وبالتالي استوجب الاحتجاج لتأكيد الهوية الدينية للشعب الذي يريد التراويح ، ضد الدولة التي تمنعها!
نحن أمام ضرب في أسس اسلامية الدولة، من خلال نظامها.
وهذا الأمر لا ينازع فيه المغاربة المتدينون بكل مشاربهم وأوساطهم وطبقاتهم، بل هناك تنظيمان ينازعان الدولة شرعيتها الدينية، تياران يسند بعضهما البعض، واحد «داعشي»/ جهادي، والاخر عدلي /سياسي.
وهنا لا نبحث عن «المناضل التراويحي»، بقدر ما نبحث عن الفاعل السياسي، الذي يبني فعله السياسي (الدنيوي 100 %) على قناعات تطرح مشروعية النظام موضع سؤال!
ولا أحد من التوجهين المذكورين أعلاه يخفي هذا الشعار وهذا التبطين الذي يتخفى، كما في كل حالات التدليس العقائدي، وراء حاجة دينية روحانية من الأشواق الربانية.
الاسطورة الرابعة، تنبني على مقارنة بين زحام المسجد وزحام الطوبيس، أو المحلات التجارية.
في الواقع، إن المقارنة بحد ذاتها تهجين لمكان خارج المقارنة. ثانيا، الحجر والاحترازات مفروضة على الجميع والدولة قننت كل التنقلات والتجمعات، وليس هناك فرق. وأن تحرص على تطبيق الاجراءات الاحترازية في مكان مقدس، ليس تهمة أو منقصة بل هو أمر يحسب لها لا عليها، كما أن عدم الاحترام في الفضاءات الاخرى، لا يعني تعميم الخطأ فيها على المساجد بقدر ما يفترض الحرص على تطبيق القوانين هناك بنفس الصرامة المطبقة في المساجد..
وفي الخلاصة، لا يمكن أن تعالج الاحتجاجات، التي نعرف بعضا من كواليسها، بالقوة المشروعة للأمن وحدها، فالموضوع فيه قسط واسع من الروحانيات التي قد تستعصي على الوضعيات القانونية والامنية والاجرائية، ولذلك لا بد من دور لوزارة الاوقاف والعلماء والمجالس العلمية…
فنحن لا نَعْدَمُ من يخرج للتظاهر عن سذاجة دينية وطيبوبة عقدية، ظنا منه أنها أفضل الطرق لعودة أجواء رمضان، وهؤلاء، ينصتون في الغالب لضجيج التجييش ،كما ينصتون لصوت الضمير العميق. وعلينا أن نميزهم عن من عداهم!
لا يمكن أن يخرج الأمن في كل ما يتعلق بالمظاهرات ذات التأسيس الديني: فَلِمَ لا يرافقهم رجال دين وعلماء وأعضاء في المجلس العلمي أو يشتغل هؤلاء العلماء والفقهاء بتدبيرهم الخاص على مستوى مستقل، ويوسعون دائرة الإشعاع والتفاعل مع الأمر في وسائل الإعلام ..لقد وصل الأمر ببعض اصحاب الفيديوهات الي درجة شيطنة وتكفير رجال السلطات الذين يقفون على منع التراويح في أماكن ضيقة وأخرى شخصية …الخ، وهو أمر يؤلم حقا ويمس عقيدة من يحرص على التطبيق العملي للقانون، ويحيل – ضمنا – على فكرة جهنمية حول «الطاغوت»..
وهذا موضوع آخر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *