الاتفاق السعودي الإيراني محاولة فهم مغربية!

عبد الحميد جماهري

لا شك أن الصين قد حققت «ضربة معلم» في الجمع بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران، في اتفاق كانت هي ثالثته ..
وهي في ذلك لم تجمع، فقط، بين متنافسين روحيين (الرائد السني ونظيره الشيعي)، لم يجمعهما من قبل إنس ولا جان، بل جمعت بين فاعلين إقليميين بطموح عالمي، يتنافسان على طول الخارطة الجيوستراتيجية الدولية.
وبهذا كرست بكين نفسها كفاعل دولي، بحصولها على التقارب السعودي الإيراني، وأثبتت بأن أسلوبها في الحوار والسلام مسموع في أكثر المناطق اشتعالا، عكس ما يحدث في شرق أوروبا في الموضوع الروسي الأوكراني..
وبعيدا عن القراءة الدولية، يمكن أن نعالج الأمور من زاوية مغربية، حصرية، باعتبار أن المغرب تربطه علاقات عميقة مع السعودية وشراكة استراتيجية مع الصين وعلاقة توتر حادة مع إيران، نعرف بأنها ساءت أكثر منذ قطع العلاقات.
والمثير في الحدث، من الزاوية المغربية ما يلي:
1ـ لقد تم الإعلان عن الاتفاق في نفس اليوم الذي اجتمعت فيه اللجنة العربية الرباعية، التابعة للجامعة العربية، وأصدرت فيه بيانا يدين التدخل الإيراني في الشؤون العربية (في الشرق العربي كما في الغرب).. وهو موقف أشاد به المغرب كثيرا.
والمثير في الحدث نفسه أن المملكة العربية السعودية هي التي ترأست اجتماع اللجنة الرباعية المذكورة أعلاه..
2 ـ هذه الإدانة التي تستند إلى شرعية عربية (باعتبار اللجنة كانت من بنات الاجتماع غير العادي للمجلس العربي في الإمارات في 2015) وشرعية دولية (باستنادها على القرار الأممي 2216 الصادر في 2015 بمنع تسليح المليشيات)، هي قرار برعاية سعودية، ومن ثمة يضع إيران في قفص الاتهام، ولم يكشف البيان الثلاثي الصادر حول التقارب طبيعة العلاقة البعدية بين المدين والمدان، اللهم إلا من بند واحد يدعو إلى التزام البلدين بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.. بدون سند مادي وآليات لتنفيذ هذا الالتزام..
3 ـ المغرب يتهم إيران بوضوح بأنها تسعي إلى نقل «البراديغم الشرق أوسطي وبؤر توتره إلى منطقة شمال إفريقيا والساحل جنوب الصحراء»، ضمن استراتيجية طهران في التوسع الأيديولوجي عبر «الأدوات المساعدة»، والتي تتمثل في تصدير تجربة حزب لله من الشرق الأوسط إلى دول الساحل وشمال إفريقيا… عبر البوليساريو ..وهي استراتيجية تسميها طهران بـ «الدفاع مع التقدم الميداني».
4ـ من المنطقي أن السعودية التي تحتضن القمة العربية ستقدم دليلها ـ الكاطالوغ – الديبلوماسي والسياسي لإقناع الدول العربية بهذا التقارب، فهي فاعل أساسي في العالم العربي وهي صاحبة المبادرة، وهي التي تخوض الحرب الضارية في جبهات تشعلها طهران (سوريا ـ اليمن نموذجا)..
ومن الواضح أن المغرب (الذي لم يصدر عنه أي موقف إلى حد كتابة هذه السطور) قادر على أن يدافع عن نفسه أمام كل التحولات، وهو من حيث المنطق والمبدأ لا يمكنه إلا أن يكون مع الانفراج في العلاقات التي تمسه مباشرة أو غير مباشرة، وهو كفاعل إقليمي يؤدي ثمن مواقفه العربية، ومنها الموقف إلى جانب السعودية في حرب اليمن.
5ـ يمكن اعتبار أن التعامل مع الحليف الصيني هو امتداد سعودي لقناعة مغربية وتجاوب مع الدعوة التي وجهها جلالة الملك في أبريل 2016 إبان القمة الخليجية المغربية إلى كل الدول العربية الحاضرة من أجل تنويع استراتيجيتها..
لكن يبقى أن الوضع في المغرب الكبير هو الوضع الوحيد الذي لم يتطور، بل يزداد تدهورا، بحيث أن الوضع بين المغرب والجزائر هو الاستثناء في ميزان التقارب العربي ـ التركي ـ الإيراني الذي يطبع الظرف الراهن.. بحيث يسجل وجود انحصار وجمود بنيوي يعطل منطقة المغرب الكبير…
وإيران قد فتحت جبهة ضد المغرب، حيث ثبت له أنها تدرب وتسلح جبهة البوليساريو فوق التراب الجزائري، في تزامن مع العديد من الدراسات التي تثبت هذا التدخل الخطير..
والمغرب يعتبر عبر عمر هلال ممثله في الأمم المتحدة وعبر ناصر بوريطة وزيره في الخارجية، على التوالي:
أ ـ أن هذا الأمر «سيعني تغيُّرا لقواعد اللعبة، والمغرب سيتعامل مع نتائج ذلك وسيكون ذلك بالطريقة المناسبة».. كما في الكركرات!
ب ـ أن إيران هي الراعي الرسمي للإرهاب والانفصال في المنطقة العربية، مع تواطؤ بعض الدول الأخرى. وهو أمر لا يمكن إغفاله من طرف القيادة السعودية، وهي تنظر للموضوع من زاوية التهدئة وتخفيف حدة التوتر. لا سيما على الجبهة اليمنية التي تحولت إلى مستنقع يستنزف حركتها.
وللموضوع بقية طبعا…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 13/03/2023

التعليقات مغلقة.