البوليساريو هي التي صنفت نفسها إرهابية 2/2

عبد الحميد جماهري

لكن الترابط العضوي مع النظام الجزائري فوّت عليها فرصة التفكير المستقل والتصرف الحر، بالتالي حدّد قدر الحركة على عدة مستويات:
-أصبحت أزمتها جزءًا من أزمة النظام نفسه، الذي لا يقبل بأي حال الحلول التي تجعله عاريا أمام الشعب الجزائري، ولا يقبل الحل الذي يفقده ورقة «العدو الخارجي» التي تُلحِّم مشروعيته أمام أنظار الجزائريين وتضمن توازنات أجنحته.
-أصبحت أزمتها من أزمة الحركات التي انسلخت عن قواعدها، وصارت تبحث عن أعضاء خاضعين للشحن الإيديولوجي فقط، بعد أن تلاشت أسطورة «الشعب الصحراوي»، الذي يوجد في صحراء المغرب فقط، كما لو أن الصحراء في ليبيا ومصر والجزائر نفسها لا يسكنها «شعب صحراوي» بل «شعب برمائي!»
-دخولها إلى دائرة الزوابع الإقليمية في الساحل وجنوب الصحراء، بعد أن صارت المنطقة مشتلاً للإرهاب، ونقطة التقاء موضوعية استراتيجيا بين الانفصال والإرهاب. ومن المسلم به أن الانفصال أصبح يسير جنبا إلى جنب مع الإرهاب في هذه المناطق أكثر من غيرها، ويكفي النظر إلى مالي والنيجر والكونغو ونيجيريا نفسها.
-اختناق أطروحاتها وحشرها في الزاوية مع اتساع التفاعل الدولي الإيجابي مع دفاع المغرب عن سيادته، وبالتالي انحسار دائرة وجودها في العواصم وفي المنظمات، وتقلص تأثيرها، والبحث عن صناعة التهديد، والتنسيق مع المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون، الشيء الذي انخرط فيه قادة لهم صيتهم داخلها، مثل أبو وليد الصحراوي.
-فشل النظام الجزائري في الحفاظ على مواقعه السابقة بأطروحاته، وعجزه عن متابعة التغيرات الحاصلة في المعادلات الإقليمية والدولية، فوجد نفسه في قلب المخطط الإيراني، ولم يجد ما يقدّمه من مساهمة بشرية في الاحتياط الكبير للمخطط الإيراني سوى البوليساريو، فربطها بحزب الله ومليشياته واستراتيجيته في شمال إفريقيا وفي الشرق الأوسط. بالتالي، وجدت البوليساريو أن طريقها هو طريق المنظمات الإرهابية، وليس الحركات الانفصالية التي قد يقودها أبناء الوطن الواحد.
خلاصة القول: إن الجبهة التي أطلقت حركة وطنية وحدوية، وإن كانت معارضة للنظام، لم تطلب منه سلاح التحرير، بل طلبته من المعارضة، التي لا يمكنها فعل ذلك في بداية السبعينيات من القرن الماضي. ومن تمّ راودها حلم الدولة، بفعل مخطط جهنمي للنظام الفرانكاوي نفسه، الذي سعى إلى تحويلها إلى «حركة شعب» يريد دولة، ضدا في المغرب.
ومن ثم أعلنت تحولها إلى بؤرة لحرب «تحرير» تحت رعاية نظام هواري بومدين، ثم معمر القذافي… والبقية معروفة.
في تصنيفها إلى جماعة إرهابية، هناك ما هو أبعد من «الأخوة».
سواء أردنا أو لم نرد، فالواقع الموضوعي، الذي قدّمه المغرب على لسان عمر هلال في الأمم المتحدة، يقول إن البوليساريو تتصرف على هذا الأساس، وتجتمع فيها كل صفات الفعل الإرهابي، دون الحديث عن مهاجمتها للسمارة ثلاث مرات، ومتابعة خرقها لاتفاق وقف إطلاق النار، والطعن في هذا الأمر هو طعن في مرافعات المغرب، لا في نوايا البوليساريو وأفعالها.
ماذا سيقول المغرب في الأمم المتحدة لأعضائها؟ ماذا لو كان أمامهم عمر هلال من جهة، وبوانو من جهة أخرى؟ من يصدقون؟
-البوليساريو تستعمل طائرات بدون طيار الإيرانية، وأقرّ بذلك قادتها، وقدّم عمر هلال وثائق للأمم المتحدة. فهل ستجد البوليساريو أفضل من دفاع بوانو للدفاع عن نفسها في مواجهة عمر هلال؟
-هناك تخوف من أن يُفهم من تبرئة البوليساريو من انخراطها في التصنيف الإرهابي، أنه في أبعد تحليل دفاع عن إيران نفسها، التي يُقيم المغرب الدليل على هذا التحوّل في أهداف وأفق البوليساريو . وهذا بحد ذاته تخوف يحيلنا على مواقف ذات صلة سنعود إليها في وقتها.
أخيرا، من خطورة هذا الدفاع، غير المُحَّين وغير المدقق، أن يُستعمل ورقة ضد الأمن المغربي نفسه.
يحضرني هنا تصريح للحبوب الشرقاوي، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية، الذي قال فيه إن 100 عنصر من البوليساريو ينشطون ضمن تنظيم القاعدة، مضيفا في حوار مع «جون أفريك» أن انخراط عناصر جبهة البوليساريو في المجموعات الإرهابية المصغّرة، أو داخل تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، أو في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى، هو «معطى ثابت».
التصريح، المفروش بروح «الأخوة» وحسن النية، قد يكون طريقا إلى الجحيم، أو إلى السؤال القاسي:
هل يجب تدمير كل الاستراتيجية المغربية، في الخارج والداخل، حتى يحسن انفصاليو القاعدة نيتهم الأخُويَّة فينا؟
إلى ذلك، تطرح صفة البوليساريو كحركة إرهابية سؤالاً وجوديا حول مستقبل الحكم الذاتي، وبوضوح:
هل يمكن أن نناقش وندبر الحكم الذاتي مع فصيل قراره ليس بيده، ولم يستطع إثبات استقلاليته في تمثيل من يعتبرهم «شعبه»؟
وسواء كان على رأس دولة أو على رأس حكم ذاتي وحكومة محلية، هل يمكن أن نجعل منه شريكا سياديا في تدبير منطقة يعيد المغرب تعريف هويتها التاريخية على أساس أفقه الاستراتيجي الوطني ؟
أم أن التمثيلية ( الوحيدة ) يجب أن تسقط عن هذا التنظيم، لصالح تمثيليات أخرى بدأت تتحدد في علاقتها مع الأمم المتحدة، أو المؤسسات السياسية الدولية، من قبيل الممثلين الموجودين حاليا بصفة ديمقراطية معترف بها دوليا، ويحضرون كممثلي الساكنة في لقاءات الأمم المتحدة، أو التنظيم الجديد «صحراويون من أجل السلام« الذي بدأ يفرض نفسه؟.. المستقبل هو الذي سيجيبنا …

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 09/07/2025