البُرْكان… وروح الحكومة!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يُقنع السياسي، الذي يكون في دفة الحكم، نفسَه بأن الخطر غيرموجود في البلاد، ما دامت الانتفاضات
والتمردات
والتظاهرات الصاخبة غير موجودة بالشكل الذي يعطل البلاد،
وبشكل لا يلتقطها الرادار اليومي للمتابعة.
وقد يكون مستسلما لسبات سياسي أو فكري..
وهو نائم على بركان،
فالبراكين عادة لا ترسل ذبذبات قبلية،
تمكنه من تغيير مزاجه.
وتستفز فيه حواس الانتباه ومجسات الإنذار، وتهزها هزا.
أليكسيس دو طوكفيل، قال ما يشبه هذا، منذ 1848!
قال بأن ميكانيزمات وآليات القوانين، ليست هي وحدها
التي تفرز الأحداث الكبرى
وتنضج التحولات العميقة والشاملة، أي تحدث تلك القفزات النوعية التي تحول مجرى الأحداث والتاريخ…
بل هي الروح التي تسود ممارسة تدبير الشأن العام،
والروح التي تهتدي بها الحكومة
والروح التي تسود في سلوك الحكومة والروح والذهنية التي تسير فيها وتصيب بعدواها الروح الجماعية للمغاربة،
هذه الروح هي التي تحمل ذبذبات البراكين الممكنة..
وإذا لم تتغير هذه الروح، فإن البركان يغير ما سواها.
فما هي الحالة الذهنية
والحالة الروحية اليوم
ما هي الروح التي نعيشها: الروح التي تتحكم اليوم في المزاج العام في البلاد، والتي تستبق استحقاقات كبرى في البلاد،
وتسير جنب الأسئلة الكبرى في البلاد.؟
لا يتطلب الأمر أن يكون المغربي عبقريا في علوم النفس والاستطلاعات والمزاج العام لكي يعرف أن روحنا تتراوح
بين الهاوية والتحدي.
من جهة أبواب مشرعة على أعتى المعادلات …
ومن جهة أخرى ضبابية في السلوك العام للحكومة،
وتأرجح بين الغد…. والحيرة!
الكل في الحكم..
والكل في المعارضة..
والاختلاف تحت قباب المؤسسات
والاتفاق على الهامش
وفي حلقات الذكر السياسي الموازية..
والروح الحكومية، ليست مقتصرة على التي نعيش معها اليوم
مع الأغلبية الحالية..
بل نحن أيضا نتأثر بروح الحكومة التي ننتظر
أو نخوض السياسة لأجلها
أي حكومة الغد..
هناك حكومة نفترض بأنها مسكونة بروح التجديد
روح حكومة السنة الأولى للنموذج التنموي
روح حكومة السنة الأولى للحماية الاجتماعية
وروح حكومة السنة الأولى للعمق الاجتماعي……إلخ!
وهناك حكومة تتخلى عن روحها، لفائدة صورة في علم الغيب
تكون بجانب المعارضة
روح مخضرمة،
بين الرفض والتدبير!
والغريب الغريب في هذا السجل هو السجال الذي يكشف عن هذه الروح
والتي نلخصها في عبارة مقتضبة:
بدأت السياسة الحقيقية، ..فَقَلَّ السياسيون الحقيقيون…!
أمام البلاد معركة التراب، ووحدته، معركة المحيط العدواني وطبوله، معركة الحماية الاجتماعية وخصاصاتها، معركة النموذج التنموي وفقراؤه ومعركة العقد الاجتماعي وطبقته الوسطى.
وأمام هؤلاء:
أي قفة ترضي الله والناخبين الفقراء،
وأي قاسم يجوز في فقه السيادة الشعبية،
ومن يكره الكيف ويحب أصحاب أمواله لتعديل المزاج الديموقراطي؟..
لا شك أن طلبة العلوم السياسية سيتذكرون، ولاشك، تحليل جان جاك روسو لقضية المسرح وانهيار دولة جنيف.
كان هناك من يعتقد بأن بناء المسرح قد يُؤْذن بانهيار حكومة جنيف، في تلك الفترة من التاريخ..
ومقدمات هذه الروح العابثة هو أن المسرح مناهض للآداب والأخلاق وضد الرأي العام الشعبي، وضد روح الحكومة المؤمنة!
ولا بد أنهم طرحوا السؤال:
أليس هذا أمر القنب الهندي عندنا؟
على كل حال..!
هنا تتدثر الطبقة السياسية بلغة مقعرة..
مكرورة
في القضايا الكبرى،
ثم تعري عن لسان باهظ الحديد والحدة في الحروب الصغيرة..
ولا تطرح سؤال الثقة إلا كسؤال يعني آخرين، هم في حكم الغيب أو اللاوجود..
ولا تطرح دورها في نفخ روح الثقة في المواطن والمواطنة..
إنها مثله تتوسل إلى قوى غيبية، لاهوت سياسي ما، أن يعيد الثقة فيها إلى ضمير الأمة..
لا روح لها، إذا شئنا القول، لكي تخطو الخطوة الضرورية لبناء الروح!
إن البركان لا يكون دوما بجوار الانتفاضات
كما أن الزلازل السياسية لا تكون تحت معاطف الثورات
والاحتجاجات
إنها في كثير من الأحيان تنام في سرير الحكومات!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/05/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *