التعديل الحكومي بلسان صاحبه.. وتعليقنا عليه وعلى ما سبقه من تعيينات !
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr
كان من الافضل، حقا ان نستمع للسيد رئيس الحكومة، وهو يتحدث عن التعديل، عوض أن نبحث في »تأويلات الصالحين« ممن رزوا فيه أكبر من عملية سياسية ، و بالرغم مما عرف عنه من اعتزاز بنفسه مما يجعله أحيانا يسقط في المحظور التواصلي ، فلم يخنه بعض »التواضع« للحديث مع مدار 21 في تقدير مهمة التعديل وآفاقه.
لكن الذي كان غريبا هو ان نجد صاحب التعديل معتدلا في تواصله حول فعله السياسي الحكومي، في حين ان بعض الذين »فلسفوا« تعديله ورفعوه الى درجة الفتح السياسي والتدبيري العظيم، يكادون يشبهون انصار عبد الملك بن مروان، عندما اشعروا الناس بأن الطواف ببيته في دمشق أفضل عند الله من الطواف بقبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم!!!
التعديل الحكومي بلسان صاحبه..
في حوار مع مدار 21 الذي حقق ضربة اعلامية في استضافة رئيس الحكومة في الوقت المناسب، ركز السيد عزيز أخنوش على المرتكزات التالية في تسويغ التعديل:
ـ هو تعديل جاء بعد استقرار الحكومة لمدة ثلاث سنوات،
ـ عرف عالمي اقتضته ظروف معينة.
– على بعد سنتين من الانتخابات بات علينا تسريع وتيرة البرامج الحكومية
ـ عمل كبير تم لكن لست متأكدا من انه وصل أم لم يصل للمواطنين،
ـ فيزيونوميا الحكومة كان يجب ان تعاد النظر فيها( تبين ان بعض الوزراء »خاص يمشيوا« ـ مجيء وزراء اكثر حضورا في السياسة وشخصيات ذات اتصال كبير بها. ـ اي شخصيات سياسية وازنة ـ قادرة على حمل رسالة الحكومة و الدفاع عنها )
و عن خلاصة كلام رئيس الحكومة برمته، يمكن ان نضع هاته الملاحظات في الشكل وفي الجوهر معا:
1 ـ احترام تقليد عالمي (لا يلغي الاعتراف بمن »مَغْربه«)، وهو تقليد أسسه عبد الرحمان اليوسفي، بعد أن نقله من »العرف العالمي « الى »العرف المغربي« ، وهو في حالة الحكومة الحالية جاء متأخرا بعض الشيء، كما أنه لم يحظ بالترحيب الذي كان من المفروض أن يتلقاه به اي مهتم بالمناخ السياسي العام في البلاد.
2 الرفع من الطابع السياسي (أي الحزبي هنا ) للجهاز التنفيذي ، بالقول بأن مجيء وزراء لهم حضور سياسي أكبر بروزا، واتصال كبير بالسياسة، قد يحيل على وصول وزراء استقلاليين طبعوا الجسم الحكومي بطابعهم السياسي الوطني، ( بعد أن كان وزراء باسمه لم يكونوا يحملون حمضه النووي ADN، و هم معروفون بالسياسة قبل الوزارة، رفقة وزراء آخرين اغلبهم من حزب رئيس الحكومة ، جاؤوها باسمه وألوانه السياسية ، وفي حالتهم نجد أن الوزارة هي التي تقودهم الى جمهور السياسة وليس العكس و هي النتي تعرِّف بهم كفعاليات سياسية. وهوما لا يعني نفس الشيء.
الملاحظة الثانية وهي تخص بعض المسيَّسين الحزبيين ، أنفسهم ممَّن ضمَّتهم التشكيلة الثانية للحكومة : التعديل لم يرفع فقط من جرعة السياسيين في الحكومة بقدر ما كشف ايضا نزوعها الباطرونالي الكبير. وبالتالي وصول رجال المال والاعمال ، من دائرة خاصة الخاصة الى مواقع القرار بخصوص القطاعات الاجتماعية ( الصحة والتعليم).
وهو ما يزيد من قلق المتابعين والحريصين علي التنزيل السليم للدولة الاجتماعية : ومفاد التخوف هو حدوث مفارقة مغربية يتكلف المناضلون الباطروناليون فيها بمهام تنزيل الدولة الاجتماعية!
وهنا يتأكد للعبد الفقير الى رحمة ربه مخاوفه التي عبر عنها مرارا ، آخرها امام الشغيلة في فاتح ماي 2023 بالدار البيضاء بالقول إن : تخوفنا هو ان يصل الليبراليون الى تنزيل الدولة الاجتماعية!
وهو تخوف يعيد إلى الاذهان تكليف حكومة المحافظين بتنزيل دستور متقدم وطلائعي ، خضع للتجميد الجزئى حينا والكلي أحيانًا عديدة في كل ما له علاقة بآفاقه المستقبلية..
علاوة على ذلك فإن النتيجة اننا سنجد أنفسنا امام المعادلة التالية:رفع المنسوب السياسي للحكومة، تم تحييده بالمنسوب الباطرونالي !
3 ـ القول بأن الوزراء الذين اضيفوا سيدافعون عن الحكومة وسيرفعون اصواتهم بحمل رسالتها، فيه نوع من السهو المثير للتفكير: هناك وزراء ليسوا من احزاب الحكومة، وهم من الحكومة، لماذا لم يشملهم التغيير؟ والذين ذهبوا من الحكومة وكانوا يحملون ألوان احزابها ، ألم يكونوا سياسيين بفعل تعْميدهم الحزبي baptême ، ومنهم من كان في المكاتب السياسية لأحزاب الأغلبية؟
وفي مضامين الحوار، ذات العلاقة بتسريع وتيرة الاصلاحات وتنزيل المشاريع وتفعيل البرامج ، يمكن أن يكون في التقدير السياسي لرئيس الحكومة ما يتحقق منه في هكذا موضوع ، لكن السؤال هو: هل يمكن لوزراء ليسوا على اية صلة بالقطاعات التي وهبت لهم، ان يجيدوا حكامتها وادارتها البيروقراطية المحضة اذا لم يكونوا على اتصال سابق باهدافها وفلسفتها ؟ اي هل يمكن حصر النجاح بالفعل في برقرطة bureaucratisation تدبير القطاعات ذات حساسية كبيرة مثل الصحة والتعليم وغيرها ؟..
السؤال يجد كل مداه، عندما نستحضر مشروع الحكومة حول اعدام الكنبوس CNOPS لفائدة السينيسيسCNSS، وما يعنيه من جمع الأموال العمومية من المواطنين، لفائدة الخواص!!
النقطة التي تربك الحسابات الزمنية هي النقطة المتعلقة بمدى النجاح في تنزيل مشاريعها في 18 شهرا ، والحال أنها لم تستطع التقدم فيها طوال ثلاث سنوات…؟
4ـ بعض الوزراء غادر لأنه لم يعد له مستقبل في الوزارة، بعد أن صارت دواليبها بيد من هم في مراتب تعيينات كبرى، كما هو حال وزير الصحة نفسه.
(قوس في المضمون: في موضوعي الشغل والغلاء، تردد على لسان السيد رئيس الحكومة شرط واحد ، وهو بمثابة الشرط الالزامي: اذا طاحت الشتا غادي نتغلب على الغلاء، واذا كانت الشتا غادي يرجع معدل البطالة الى وضعوا الطبيعي..)!
( قوس ثان في ماسبق: وليس ضروريا أن يتم التعديل بالشكل المتعارف عليه، بالزيادة أو النقصان أو زد وانقص منه قليلا، لكي يثبت ذاته بل هناك حاجة أكبر، ألا وهي تعديل المزاج الوطني وتعديل السياسات والأولويات في سياق غير عاد! هذا ماكتبه العبد الفقير لرحمة ربه في 16/08/2022)
الإطار الأوسع:
لم يتحدث رئيس الحكومة عمَّ سبق التعديل من تعيينات، لا سيما التي تربطها بالتدبير الحكومي رابطة دستورية ودينامية تدبيرية واحدة.
ولا يخفى على المتتبع للحياة السياسية والدستورية في البلاد أن التعديل الحكومي لا يمكن النظر اليه بدون ماسبقه: ونخص بالذكر المؤسسات التي تم تعيين المسؤولين فيها، في الاجتماع السابق لمجلس الوزراء.
1 سبقت التعديل الحكومي تعيينات ذات اهمية تمثلت في السلطات الترابية ( تحْيين مفهوم الجديد للسلطة، اذا كان لا بد له من فلسفة متجددة ) والسفراء، بدون رهانات كبرى تفوق ما تقوم به الوزارة نفسها منذ مدة ( مع تسميات ذات معاني يمكن الوقوف عنها في اطار توصيف بعض النوايا السياسية )..
2 التعيينات الأساسية الأخرى في ما قبل التعديل، شملت مؤسسات بعينها،ذات صلة بالمعيش اليومي وبالاداء الحكومي، ولها رهانات دقيقة. وتستجوب الكثير من الانتباه الذين تجعلهم هشاشتهم عرضة »للإحسان« ، غير الحكومي وقد يجدون انفسهم بين يدي الكرم الفردي من داخل الحكومة لمن يتولون مشروعا بحجم الدعم الاجتماعي والدولة الاجتماعية !
وهكذا هناك سلسة من التعيينات التي حضر فيها رئيس الحكومة برقة لا تنكر ، كما تفيد صيغة الاعلان عنها نفسها.
( من رئيس الحكومة، وبمبادرة من الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية، المكلف بالميزانية، عين الملك سعيد الليث، في منصب المدير العام لوكالة تنمية الأطلس الكبير، و وفاء جمالي، في منصب المدير العام للوكالة الوطنية للدعم الاجتماعي .
باقتراح من رئيس الحكومة، وبمبادرة من وزير الصحة والحماية الاجتماعية، تفضل الملك، بتعيين كل من مصطفى أبو معروف، في منصب رئيس الهيئة العليا للصحة، وسمير أحيد، في منصب مدير الوكالة المغربية للأدوية والمنتجات الطبية، و كمال الدغمي، في منصب مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته).
ولعل الاهمية متأتية من كون التعيين هنا فعل تلتقي فيه »سلطة التعيين«، الحصرية للملك وبين سلطة الانتخاب التي تمنح لرئيس الحكومة صلاحية الاقتراح في المؤسسات المحددة في القانون التنظيمي ذي الصلة.
وفي هذا الباب هناك عتبتان:
ـ عتبة التعيينات من قبيل ما ذكرناه أعلاه. وهو أمر تبين من خلاله توسيع مساحات قرار رئيس الحكومة..
ـ وعتبة التعيينات التي تطال مجالس الحكامة، والتي لم يخف على المغاربة بأنها كانت ، في الكثير من الاحيان مجالس »احتكاك« جارح مع الحكومة، وكانت موضوع مواجهات حادة في الكثير من الاحيان ومنها سواء منها المندوبية السامية للتخطيط او المجلس الاقتصادي والاجتماعي، او مجلس المنافسة ، او الهيئة الوطنية للمحاربة الرشوة وبنك المغرب… والمجلس الاعلى للحسابات … وبالتالي يعتبر اي تغيير فهيا لصالح الحكومة. اذا افترضنا أن مواقفها وارقامها وحقائقها ستختلف مستقبلا!
الموقف السليم لاي متتبع للحياة السياسية والطامح الى الارتقاء في الممارسة المؤسساتية وربط المسؤولية بالمحاسبة هو أن يطمئن الى تطور من هذا القبيل.لكن الموضوع في عمقه مرتبط كذلك بالطاقم البشري الساهر عليه. وفي هذا يتطلع المغاربة ان تكون التعيينات ، في المؤسسات المحدثة حديثا او في المجالس المذكورة اعلاه وهو ما يطرح سؤالا الا عريضا على تعيينات السيد رئيس الحكومة..
ويزداد القلق عندما نستحضر إغلاق الحقل السياسي، على مستوى المؤسسات من الحكومة الى الجماعة، مرورا بالجهات وبالبرلمان ويزداد الخوف على السياسة التي جعلت منها تصريحات رئيس الحكومة مبررا للتعديلات الحالية..ولنا عودة الى الموضوع!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 26/10/2024