الثقة في النفس‫..‬ والنية في القلب‫!‬ في ملعب المستحيل: أبدعنا وسجلنا!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

كان لسحر ليلة السبت بملعب ابن بطوطة، ينبوعان: وجود البرازيل، التي سكنت خيال كل أجيال العالم، الأولى عالميا في ترويض الكرة، ثم.. فريق المغرب في ملحمة المونديال، وجها لوجه… ساحر وسحرة.
كان ذلك كافيا ليكون الليل مضاء بألف شغف وترقب.
المغاربة لم يشجعوا فريقهم فقط كي يفوز، بل ليفوز على البرازيل، كي تزداد في دمهم حلاوة أكثر للبلاد ويزداد في أعينهم بريق أشد إشعاعا..
وقد بدا طويلا، في تاريخ الكرة، أن البرازيل تلعب في ملعب المستحيل، ملعب يبدو أن الذي يريد الدخول إليه يجب أن يعرف الإجابة على كل الأسئلة التي يطرحها الحارس الخالد للأولامب العالي.
كان على فريق الأسود أن يأتي بالأسد نيميا (هل هي كناية عن نيمار؟) الذي يقطع الطريق على كل الفرق ويثير فيها الرعب ولا يتركها تدخل الملعب الذي أحاطه بخطوط حمراء ترسم مساحات المستحيل..
هرقل الكروي في طنجة لم تمنحه أثينا خوذة لرأسه ولا منحه هرمز سيفًا حادًّا ولا منحه أبولو سهمًا وقوسًا ولا أعطاه بوسيدون جوادًا ولا وهبه «هيفايستوس» حذاءً من نحاس..
فقط الركراكي منحأعضاد الفريق الثقة في النفس‫..‬ والنية في القلب‫!‬
ثم توجهوا إلى طنجة ليقوموا بآخر أعمال هرقل..
الانتصار على البرازيل!
وقد كان اختيار طنجة، كصندوق بريد في أعلى المغرب وفي رأس القارة لتوجيه رسالة تهم العالم الكروي، موفقا، لأن طنجة بتاريخها الدولي، ما زالت تحمل جينات عالميتها، كما أنها تجاوزتها بعد أن أصبحت مدينة عابرة للدول والوطنيات..
وهي الزاوية المناسبة ليرسل المغرب رسالته حول الترتيب الثلاثي المغربي، الإسباني البرتغالي للتوجه نحو تنظيم كأس العالم 2030. والذي سميناه مونديال الربط القاري.
رسالة طنجة، بحمولتها الهوميرية، هي رسالة بيت رمزي لهرقل الذي يحمل كرة العالم فوق كتفيه ويحرس المحيط الأطلسي والأبيض المتوسط، وهي شرفة الحديث بين قارتين، أوروبا وإفريقيا، وطنجة هي الابنة الشرعية لثلاثة عوالم متوسطية ومغاربية وأوروبية تناجي بعضها على ضفتين متقابلتين…
احتضان طنجة لمباراة ودية بين الأول عالميا والفريق الوطني، الذي حجز مقعده في عالمية المستديرة عن جدارة،عبور لاخر خطوط المستحيل وبهذا لم يعد الفريق الوطني، وشبابه ومدربه، يلعب خارج ملعب المستحيل، إذ أن المستحيل لم يعد في أقدام اللاعبين ولا في رأس المدرب. والذي شاهدناه في مباراة السبت، كان هو استقرار اللاعبين المغاربة في منطقة المونديال بدون تسييرها بالمستحيل، المونديال الذي صنعوا فيه كرسيهم بتجربتهم الفريدة عربيا وإفريقيا.
لقد استقر الفريق في النادي الذي كان يطمح إليه، نادي الفرق التي لا يمكن توفر تنظيم المونديالات بدونها…
وفي غيابها.
هذه الروح الندية هي المكسب العام، وهو التقاء وتمازج مع الندية الشاملة التي أصبح المغرب، الذي يتجاوز ذاته، يتمتع بها في مجالات عديدة..
ألا يحسن بنا أن نفكر بالفريق المثالي، كما نفكر في سوسيولوجيا السياسة والتاريخ بالنموذج المثالي؟
يمكن، أو هذا على الأقل ما يشعر به المتابع لأبسط كتابة على حائط الفايسبوك كما في التحليلات الأكثر رصانة: هناك نداء خفي بأن يكون نموذج الفريق الناجح كرويا قابلا للتعميم، وإن كنت شخصيا أدعو إلى أن يشوش المغاربة فرحتهم بالنصر… بأخبار الحكومة والأسعار!
حقيقة لا يحسن أن يفسدوا انتماءهم بما هو في عداد السجل السياسي والتدبيري المخيب للآمال…
إن مباراة طنجة، نقطة بداية ونهاية: نهاية المستحيل، وبداية العبور الى الممكن من هذا المستحيل نفسه أي احتضان العالم بكرتيه، الأرضية والرياضية معا.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 27/03/2023

التعليقات مغلقة.