الشراكة الأخلاقية بين الوضعي والروحي في المغرب..
![](https://alittihad.info/wp-content/uploads/2020/04/hamid-jmahri.jpg)
عبد الحميد جماهري
استهلال:«استثمار قيم الدين في نموذج التنمية..
واستثمار دروس التنمية في تجويد التدين»
الأخلاق مثل الحقيقة، لا بد لها من سلطة!
وهو ما يوحي به القول المأثور السديد بأن »الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن«، والذي كان محور اللقاء التواصلي بين العلماء وخبراء التنمية.
فقد أطلق المجلس العلمي الأعلى، يوم الأحد الماضي بالرباط، مبادرة تواصلية مع »خبراء التنمية«، هي الأولى من نوعها التي تجمع بين الجهاز التنفيذي، وزراء وخبراء ومسؤولين في مؤسسات الدولة ( المجلس الأعلى للحسابات، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، المؤسسة الأمنية في شخص الناطق باسمها والمجلس الأعلى للسلطة القضائية).
وكان الكاتب العام للمجلس سعيد شبار، قد وضع الإطار الذي يجري فيه هذا اللقاء التواصلي المنظم بشراكة مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لأول مرة في البلاد، بقوله إنه يعد »أول تجربة لاستماع العلماء للخبراء، وهم يتحدثون من منطلق السؤال المطروح عليهم حول دورهم في التبليغ«، وهي إحالة على خطة تسديد التبليغ التي أطلقتها في يونيو 2024، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والمجلس العلمي الأعلى، بهدف إيصال الخطاب الديني بشكل سهل وميسر لجميع فئات المجتمع، ويسترشد بها الحقل الديني في توطين الأخلاق الدينية في الحياة العامة والفردية للمغاربة.
كان العلماء في كرسي الإنصات والتلقي، لفهم مجالات هي، في التقدير العادي، بعيدة عن التخصص الديني لهم، لكنها مرحلة إنصات وتعاقدية، بمعنى أن العلماء، حسب شبار، سيقترحون »بعد الاستماع المتأني وتحليل الأفكار، آليات لمواصلة هذا الحوار غير المسبوق«.
وإذا كان جميع المتدخلين تحدثوا عن مجالات اشتغالهم وأهمية الجانب الروحي والديني لتعزيز هذه المجالات ضمن خطة تسديد التبليغ التي أطلقها المجلس العلمي الأعلى»، فإن العمق الفكري والعقائدي الذي انبنت عليه هذه الخطة، تأسس في السنوات الأخيرة على دفاع قوي، فكريا وروحيا، من أجل شراكة أخلاقية متعددة الأطراف.
كانت الأولى دعوة أطلقها وزير الأوقاف بحضور الملك أمير المؤمنين في الدرس الرمضاني، الجمعة 10 مايو لسنة 2019، عندما استدعى وزير الأوقاف المفكر والسوسيولوجي الألماني، ماكس فيبر، في تأويل نص قرآني، من خلال آية النهي عن المنكر والأمر بالمعروف. حيث كان درسه الافتتاحي الرمضاني في موضوع «استثمار قيم الدين في نموذج التنمية»، انطلاقا من قول الله تعالى في سورة آل عمران» كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله»، وخلاصة المبادرة الجريئة التي تم تأطيرها روحيا أننا لا نتجه هنا من التراث نحو الحداثة والبحث عن امتدادات النص التراثي في العصر، بقدر ما نسعى في اتجاه معاكس، يكون الفهم فيه قد تربّى في حضن التفكير الحداثي، ويتجه نحو سبر أغوار النص التراثي، والبحث في موضوعٍ ما زال يحتفظ بطراوةٍ كثيرة، إن لم نقل في الدهشة لدينا جميعا، وهو معادلة الدين، باعتباره العامل المهيكل الأول للثقافة، وتأثيره الهائل في آليات النمو الاقتصادي.
ثم كانت المناسبة الثانية في رمضان سنة 2024، والذي دعا فيه الوزير إلى تعاون إسلامي مع العقل الحديث لأجل شراكة أخلاقية، تساهم في تجديد الخطاب الديني.
وبعد تجسير الفجوة مع الآخر، وتلقيح تفكيرنا بتفكير الآخر أخلاقيا..وجب التبييء المغربي لهذه الخطوة، بحيث تم ربط العقلين معا.
وهذه المرة، تم العمل على تنزيل هذا الأفق العالي، من خلال لقاء بين ضفتي» الأخلاقية« المغربية إذا شئنا. في ما يمكن تسميته بورشة حضارية في تفعيل الدولة ببعدها الأخلاقي والروحي وليس باعتبار هذا المجهود تعبيرا عن انشغال أكاديمي صرف من النوع الذي تعودناه.. أي محصور في الهدف وفي الوسيلة، والاكتفاء بالوعظ والإرشاد..
وتفعيل خطة التسديد، والواردة هنا كأفق خاص بدور العلماء، في المجال، يجعل الدولة فاعلا أخلاقيا، لا بد له من بعد القرآن، قوة السلطان: السلطان والقرآن، بما هما حدا المعادلة الأخلاقية في الحياة العامة.
وحضور العلماء يعني أيضا أن عليهم أن يستوعبوا أخلاقية السلطان، أي الدولة الدهرية، كما يكون على رجال الدولة في ميادين الفعل الحداثي ( المال، والأمن، الإعلام … إلخ من ضرورة لهذا الاستيعاب.
لا يمكن أن يغيب عنا المفْصل الرئيس في هذا المنحى وهو «كمال الدين ونقص التدين»، بما يعني ذلك من وجود هوّة سحيقة بين إيمان الأمة بدين كامل وسلوكات المسلمين التي تخذل جذعه الأخلاقي، حتى بالمعيار الذي وضعته الحضارات الأخرى، التي لا تقدّس نفسها!( شهادات من قبيل شهادة زينب العدوي دالة في هذا الباب..)
لعل المقصود أيضا إنضاج شروط نجاح التجربة المغربية، من خلال خطّة وضعتها آليات إمارة المؤمنين لـ»تسديد التبليغ» (الدقة في تحديد أهداف التبليغ الديني)، من خلال نزول العلماء إلى الحياة الحديثة المضطربة والصاخبة بحداثتها، وسيكون، على المديين، البعيد والمتوسط، عرض أجوبة النجاح المحلّي وتعميمها جواباً إسلاميّاً عامّاً.
ومن التحوّلات التي تدعو إليها المقاربة الجديدة، في هذا السياق، ألا تظل مفاهيم التأطير الإصلاحي الدينية بعيدة عن المرجعيات الوضعية. ولعل تلخيصَها جاء في التركيبة البلاغية التي تجعل «العمل بالقانون من المعروف والإخلال به من المنكر».
لعل التصور الذي خطه المغرب لنفسه من خلال إمارة المؤمنين، وحد بين السلطتين، مع تفعيل وأجرأة الروحية في القانون وتصليب الروحانية بالقانون، في تجربة، من المؤكد أنها ستكون ذات تأثير على العقل الإسلامي عموما.. والخروج من انفصالية، تتخذ أحيانا شكل نزاع مفتعل وقاس، كما يحدث عند النقاش حول »العلمانية« مثلا!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 11/02/2025