العالقون في الاندلس

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

أعترف أولا، أن العنوان،قد يحيل على حنين شعري، يقترفه شاعر ضائع بين الكمنجات وبين الغجر..
وأعترف ثانيا، أنه في حقيقته وحي خالص تعود كل حقوق التأليف فيه إلى صديقي المناضل الاتحادي الاستاذ محمد كرم..
العالق الآن في الاندلس..
في البداية كان الفخ الايبيري يكاد يشبه موعدا عاطفيا: الاندلس والصيف والعطلة ، والاحبة..
ثم إذا به يتشابه في الفخ مع عزيز آخر، السي محمد محب، الذي أدركته الاندلس في زمنها المغلق.
بين الفينة والاخرى، كان الحديث ، عبر الواتساب يجرنا الى غير قليل من التفكه:لماذا لا تقرران إعلان دولة الأندلس الضائعة، وقيادة في المنفى ؟..
نضحك وننتظر أن تفتح ضفتا المتوسط بابا للعبور وللعودة..
فالاندلس ليست مكانا لكورونا، لكي يبقي الناس عالقين فيها
الذين يعلقون فيها يجب أن يكونوا سعداء، وعلى أبواب الفردوس المفقود، لا العادات التي تفقدها بفعل الإكراه..
كتب السي محمد كرم يصف الحالة، بغير قليل من الألم:»أنا واحد من العالقين بالأندلس منذ القرار المفاجئ المتخذ من طرف السلطات المعنية بإغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية في منتصف شهر مارس 2020 لأجل غير مسمى، وكنت أتأهب وأسرتي الصغيرة للسفر صبيحة اليوم الموالي.
ومنذ أول خرجة لوزير الخارجية والمغاربة المقيمين في الخارج، في لقائه بممثلي الأمة في منتصف أبريل 2020، سمعت ككل المغاربة في الداخل والخارج أن حق التنقل هو حق دستوري لا يقبل المزايدة من أحد، وأن التحاق العالقين في مختلف أقطار العالم الذين لم يكن يزيد عددهم عن 30.000 سيتم في «القريب العاجل»، والذي تحول في الواقع إلى مسلسل «هيتشكوكي» ممل «..
هذه الهتشكوكية، هي لسان حال العالقين كلهم..
باسمه وباسم كل العالقين، جاءت العبارات دقيقة، لا يمكن أن نتهم صاحبها بأنه يضيق بالمنغلقات: هو الذي عرف في بلاده ما لا يعرفه عقل أوروبي منذ القرون الوسطى: الكوربيس ومولاي الشريف والمطار .. والاختطاف وفقدان الاحبة في طريق محفوف بالجنائز ، وبلادٍ مقبرة.
كما لا يمكن أن نصف زميله محمد محب بأنه كهل مدلل يبحث للحكومة عن نقطة للمعارضة، هو الذي يعرف بأن الاندلس ايضا مكان لتجييش المفارقات مع بلاد يحبها..
التفاصيل المعروفة، تحتاج فعلا إلى الكثير من الغرابة لكي تستقيم في الحكم عليها. وقد ساعدت الحكومة، في تقدير الموقف على احتمالين،و أمرين أحلاهما مر. اذ يقول الاستاذ محمد، أنه كان على العالقين :
»إما أن نتخلى عن سياراتنا في أي مكان ونلتحق بأرض الوطن جوا على أن نتحمل مصاريف السفر والتحاليل الطبية لمن يستطيع إلى ذلك سبيلا، دون أن نملك أي ضمانة على إمكانية استرجاع سياراتنا في الأفق القريب، وهل سيسمح لنا بالخروج من أرض الوطن وخاصة أمام صعوبات الحصول على تأشيرات جديدة.
والاختيار الثاني أن ننتقل إما إلى ميناء Sète بجنوب فرنسا أو ميناء Génova بجنوب إيطاليا، مع العلم أن العالق مثلي عليه أن يقطع مسافة 2000 كلم بالطرق السيارة المؤدى عنها، وأن يحجز تذكرة السفر بثمن لا يقل عن 1000 أورو للفرد الواحد فضلا عن مصاريف التحاليل الطبية ليعود بالباخرة إلى نقطة الصفر التي انطلق منها تقريبا«…
ومع ذلك، فقد ارتأى المناضل أن نهتم أكثر بالعالقين والعالقات، خصوصا من المغربيات في »هويلفا« الاسبانية..هناك حيث يصير الحنين ليلكٌ وحشي، يطوح بالعاملات.
الكمنجات الشاعرية، كما وصفها درويش ،تترك الغناء لألف حبل لنشر الأنين، وألف حبل صوتي لرفع النشيج.. وهنا نتنبه الى قضية قرابة سبعة آلاف مغربية، من عاملات الفراولة ، »تقطعت بهن السبل وبتن يعشن على الكفاف وعلى مساعدات الجمعيات وبعض المحسنين …. وضعن في الفترة التي أغلقت فيها الحدود حوالي 60 طفلًا… إنها أم المآسي ولامن مغيث..«.
هي ذي القضايا التي تفرض على الارادة امتحان التحدي الذي يجب ربحه، القضايا التي تصنع بالفعل معنى للسياسة والمواقف والديبولماسية..
فللأندلس في الحنين، مكان قصي
وللأندلس في السياسة مكان عصي…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 16/07/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *