الفرح، الملكية والتماسك الوطني

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

قدمت انتصارات الفريق الوطني في مونديال قطر، خصوصا ما أعقبها من فرح واعتزاز مغربي، صورة بليغة عن التماسك الوطني المغربي. تماسك ساهم فيه الفريق الوطني، كما أنه تحصَّل…‪ ‬على إيجابيته في العمل.
الرايات وصور الملك والنشيد الوطني والأهازيج وانبهار العالم بهذا الشعب المسالم الجميل التعددي القادر على إثارة إعجابه، كلها كانت نموذجا بارزا لهذا التماسك الوطني…
تكون المناسبات الدولية مناسبة لبروز شعارات هذا التماسك الوطني ورسائله ومضامينه، التي تعرض على العالم، وليس فقط في حدود الفضاء الوطني الخاص.
عشنا في المغرب حدثا رياضيا حمل إلى العالم محتوى وطنيا يفوق الكرة والخريطة…
وفي هذا، تصبح الرياضة شيئا عموميا مرتبطا بالوطن أكثر من الفريق بحد ذاته. قد تلخصه العبارة التي تحيل على الدفاع عن القميص الوطني لكنها تفوقه عندما يشتعل الجسد ضمن رموز ثقافية وروحية عميقة.. كما قد يتصرف كل المغاربة كمدربين، ليس لأنهم كما اعتقدنا إلى عهد قريب، فضوليين على أمر له مختصوه وخبراؤه، بل لأنهم يعتبرون كلهم بأن من يمثلهم هو جزء من سيادتهم العاطفية الوطنية وعندما ينظرون إلى الأمر «بنظارات» الوطنية فإنهم يعتبرون أنفسهم معنيين..
لقد وضع المغاربة نظارات ملكهم في النظر إلى طبيعة العاطفة التي قد يمضونها إلى هذا الكيان أو ذاك، وإلى هذا الفريق أو ذاك. كما يرفعون الراية الوطنية إلى جانب الصورة الملكية للتعبير عن تماسك وطني في الفرح وفي العناق وفي النشيد…
وقد كان لافتا أن الفرح الوطني عبأ مكونين من مكونات الأمة، هم مغاربة العالم، كقوة ضاربة في الفريق الوطني، كما في التعبير عن السرور المغربي، ومكون الأقاليم الصحراوية، التي انخرطت بنفس الروح والتلقائية السعيدة في التعبير عن التماسك الوطني موضوع حديثنا.
تحت سماوات أخرى، بعض الفرق تفرح بدون أن تنتبه إلى نظامها السياسي أو تربط بينه وبين شعورها الوطني، في المغرب الأمر مختلف كثيرا، العاطفة الوطنية لا تكتمل إلا بالعاطفة إزاء الملكية، لأن المغاربة بشهادة التاريخ وشهادة الآخرين يدركون أنها صانعة تماسكهم الوطني في كل اللحظات الجياشة، سواء أكانت فرحة رياضية أو لحظات التحدي الكبيرة.
وقف المغرب في وجه دول كبيرة سياسيا ومؤسساتنا وجيوستراتيجيا، من التنافس الدولي القاهر والقاسي والذي لا يرحم…
الرياضة اليوم تساهم في بناء سردية وطنية عميقة، تعضد أو تستفيد من السردية الوطنية الكبرى، وقد سعدت أن بعض المفكرين المغاربة تنبهوا في الظرفية الحالية إلى هذا التماسك الوطني، ومنهم عبد لله ساعف، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية، الذي أكد أن المغرب، الذي أحرز تقدما ملحوظا في مختلف المجالات، شهد مسلسل اندماج وطني قوي ومثمر، ساعف دقق في طبيعة التماسك قائلا إن «ما يميز الحالة المغربية بالمقارنة مع كافة البلدان هو هذا الاندماج الوطني القوي، وهو ما يفسر عدم وجود مشاكل في المغرب في ما يخص التعددية اللغوية والتعددية الثقافية، وحتى التعددية السياسية». وما كان له إلا أن يقول إن «مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس: فالمغرب الواثق والمبادر، حقق تقدما ملحوظا في مختلف المجالات».
مع وضع سطر غليظ تحت «أهمية الدولة – الأمة باعتبارها ركيزة للعلاقات الدولية»! وأكد أن آليات الدولة الأمة قد فككت مفهوم الحكومة العالمية، مشيرا إلى أن التكتلات الإقليمية والدولية لم تتمكن من أن تحل محل الدولة – الأمة، التي أكدت سموها أكثر من أي وقت مضى! وهي مقدمة ضرورية لفهم ما سيقوله خبير أجنبي في الموضوع: هو غييرمو مورينو، الذي شغل مناصب ديبلوماسية سياسية سابقا.
هذا السياسي المحنك كاتب الدولة في التجارة والاتصال الأسبق بالأرجنتين، أشاد «بدور الملكية في تحقيق التماسك الاجتماعي بالمغرب والحفاظ على الروح المغربية» بكلمات واضحة سلسة. معتبرا في السياق ذاته، وهو يخاطب المغاربة من خلال قناة M24 التابعة لوكالة لاماب»  في المغرب لديكم ملك، والملك يحرص على أداء مهمة أساسية تتمثل في الحفاظ على التماسك الاجتماعي للشعب المغربي»..
ولا يمكن إلا أن ننتبه إلى فهم هذا الأكاديمي إلى ما يعنيه من خلال قوله إن «روح المغرب تتمثل في الملكية. هناك مكان يتم فيه صون هذه الروح، وهذا المكان يسمى الملكية».
وهو ما يعني أننا نحفظ التماسك الوطني في.. الملكية التي تعد صمام الأمان بل الخزان الحضاري لهذا التماسك الوطني الذي يبدع في كل لحظة من اللحظات شكلا مبهرا في التعبيرعن نفسه: المسيرة إلى التحديات الديبلوماسية إلى توسيع الإشعاع الحضاري إلى.. التعبير البسيط عن منافسة رياضية.
ندرك بأن كرة القدم محكومة بقوانينها، لكن الفرح الذي يصبح عنوان الانتصار ومن تمظهرات وطريقة التعبير عنه ورمزيته، هاته تتحكم فيها ثوابت التماسك الوطني.. طوبى لنا..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 06/12/2022