اللهم ارزقنا شعبوية تليق بمونديال 2030! -2-

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

من سوء حظنا أن شعبوياتنا فاشلة، لا تستطيع أن تكون من قبيل الشعبويات القادرة على الإقناع والتأثير الواسع وإخراج الناس بالملايين إلى الشارع انتصارا لها.
ومن سوء حظنا أن علينا أن نستعير شعبويات أخرى لنعرف درجة العجز في شعبوياتنا، نضع لها إطارا نظريا مقتبسا كما نقتبس المساحات الكوميدية.
الشعبوية الفاشلة عندنا تجعل أصحابها ينسون كل شيء عن الوطن والوطنية وعن الشعب المقدس، وما قالوه عن الحق في أن تقاتل الشعوب الأخرى باسم الوطن وحقها في لحظات فرح مشاعية.
لكنهم ينسون ذلك عندما يتعلق الأمر بالوطن المغرب، إذ سرعان ما يصبح هو الوجه البشع للنظام، وهو دليل «التعياشيت» والمخزن والعتاقة والماضوية والتفكير الشوفيني…
يستدرون الشفقة الخطيرة، رحم الله سبينوزا، حتى يشعر الوطن بعقدة الضمير ويتوقف عن المسير في طريق التأهيل الذاتي للمونديال.
ما يجب انتقاده هو محاسن تنفيذ القرار ومساوئه، وطرح السؤال المركزي القوي والقابل للقياس: هل سنكون في الموعد، من حيث البنية التحتية، سياحيا وصحيا وفي مجال النقل والحركة، وفي مجال النظافة في المدن والضواحي الحاضنة، وحضور أو غياب المنفعة الاجتماعية لهذا المونديال، وسلوك البورجوازية الوطنية في هذا الباب، وليس فقط سلوك شعبنا الذي تميز دائما بقدرته على استيعاب الآخر.
وعن السرعة التي يمكن بها أن تتوفر بمطاراتنا حتى تتفادى الاختناق، والقدرة على التنظيم في الشرايين الأساسية للمدن الحاضنة والمدن السياحية، وهل وجد برنامج للسياحة في مستوى إبراز بلادنا في أفق المونديال وإسناده أم نترك ذلك للهواية الوطنية المعروفة عندنا؟
من حقنا أن نسائل بلادنا على ضوء ما تريده الفيفا، لاسيما التشديد على أن يكون معيار حقوق الإنسان مستوفيا لشروطه.
ومن حقنا كذلك أن نظهر للعالم ما تحقق في المغرب، ونحن نخلد الذكرى 20 لهيئة الإنصاف والمصالحة باعتبارها قرارا سياديا اجترحه المغرب لنفسه بفعل لقاء إرادة سياسية في أعالي الدولة مع نضال نصف قرن للقوى السياسية، لاسيما اليسارية الحقيقية التي قدمت أغلى التضحيات.
للأسف، لنا شعبوية متياسرة أو حقوقانية تستكثر على هذا الشعب أي لوحة تتويج أو فرح أو ترصيد في المزاج المتفائل، حتى ولو كان قد تميز في مجال حقوق الإنسان قبل مجال الرياضة بعشرين سنة.
والتفرد الوحيد هو هذا التلاقي المفجع بين شعبويات يسراوية وأخرى يمينية في ذم الشعب الذي يميل إلى وطنه.
لا هم يتقدمون ليطلبوا تزكية الشعب، ولا هم يقترحون تنظيمه في كيانات سياسية تتنافس مع الذين يعتبرون أن الشعب لا يحبهم، ولا هم قادرون على تطوير الأرضيات النظرية، زعما زعما، التي يبنون عليها قاعدة شعبويتهم.
هناك فقط شعب «الفانطازم» الموجود في حسابهم السياسي واللغوي يمكن أن يجدوه وراءهم بالشعار لا غير، وينقذون البلاد.
ووطنيتهم لا يشهرونها في الحديث إلى الشعب لأنها أقل من شعبيتهم.
هؤلاء ينسون أن «الانفجار» الحقوقي 2004 سبق التأهيل للمونديال بعشرين سنة « 2024».
وبهذا المنطق الذي يروجون له، كان علينا ألا نبني محطات ولا قطارات ولا «تيجيفي» حتى يرضى الشعبويون على المغرب، بأنه يحترم فقره ويتركه على حاله حتى يتغير النظام والسلطة والنخب والدساتير.
أيها الشعبوية غير الناجحة، لقد كانت لنا في سياسات العديد من دول المنطقة العربية وغيرها أمثلة على النتائج التي وصلت إليها، ولم يكن لها من حظ سياسي سوى الخراب.
لا يمكن لأحد أن يبخس أو يقلل من مشروعية الدفاع عن موقع جيد للمغرب على مستوى التنمية البشرية، وحقوق الإنسان، وحرية الصحافة في تقدير أهمية بلادنا. لكن من المفيد للغاية أيضا أن نتابع مناخ الأعمال والاستثمار، حتى إن أبناءنا في الخارج يعودون دائما ليحكموا علينا من خلال جودة الطرق، احترام المواعيد، وطبيعة المرافق التي يزورونها، وكذلك التقدم في استثمار الزمن.
وبدلا من أن نبدأ دائما بالإدانة والتشكيك وسوء النية، يجدر بنا أن نفهم الأمور جيدا، فتلك هي الطريقة المثلى لخدمة الحقيقة والوطن.
خلاصة القول، سيكون مفيدا لنا وللشعبويات المغربية أن تعمل على تأهيل نفسها، كما يعمل المغرب على تأهيل نفسه لمونديال 2030، والسلام.

انتهى

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 14/12/2024