المغرب ـ إيران ونهاية الفصل العسكري من الحرب! 2

عبد الحميد جماهري

لأول مرة منذ اندلاع المواجهات بين طهران وتل أبيب يخرج المغرب عن صمته ويعرب عن” إدانته الشديدة للهجوم الصاروخي السافر الذي استهدف سيادة دولة قطر الشقيقة ومجالها الجوي”.
ما نلاحظه في بيان وزارة الخارجية: أن اللغة نفسها التي عبرت بها قطر عن تعرضها للهجوم هي التي اعتمدتها الديبلوماسية المغربية.
الملاحظة الثانية هي أن المغرب، إلى حد الآن، كان يعبر من داخل المنظومة العربية، كما في بيان الجامعة العربية على هامش اجتماع إسطنبول الأخير لدول التعاون الإسلامي …
ولا يستهان بالموقف الأخلاقي للمغرب، فهو بالرغم من علاقة التحالف التي تربطه مع الفرقاء في المنطقة، لاسيما تل أبيب وواشنطن، وبالرغم من أن الطرف الآخر عدو معلن وعلاقاته معه مقطوعة والنزاع واضح، فهو لم يغير من المسافة التي تفصل بينه وبين الفرقاء الثلاثة، بالرغم من أن المسوغات الديبلوماسية موجودة ويمكن أن تكون معقولة أو مقبولة على الأقل..
-المغرب أيضا يتصرف على ضوء التزامه كعنصر فاعل ضمن اللجنة العربية الرباعية المعنية بمتابعة تطورات الأزمة مع إيران التي تأسست عقب اجتماع القمة لسنة 2022. واللجنة العاملة ضد التدخل الأجنبي …
– البلاغ الحالي يدخل في سياق تاريخ مواقف إلى جانب الدول العربية. نتذكر الاحتجاج على “عبارات غير مناسبة” لإيران بشأن دعم الرباط للبحرين في 2009..وبالتالي فالموقف ليس مناسباتيا …فقط!
نقطة الارتكاز الرابعة تتعلق بالإطار العام الذي يتحرك فيه المغرب، في علاقته مع دول الخليج عموما، والذي كرسته الرؤية الملكية خلال القمم المشتركة، وفي سياقها التزم الملك بأن “اﻟﺪﻓﺎع ﻋﻦ الأﻣن الجماعي ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ واﺟﺒﺎ ﻣﺸﺘﺮﻛﺎ، ﺑﻞ ﻫﻮ واﺣﺪ ﻻ ﻳﺘﺠﺰأ. ﻓﺎﻟﻤﻐﺮب ﻳﻌﺘﺒﺮ داﺋﻤﺎ أﻣﻦ واﺳﺘﻘﺮار دول اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻟﻌﺮبي، ﻣﻦ أﻣﻦ اﻟﻤﻐﺮب”.. ﻣﺎ ﻳﻀﺮهم ﻳﻀﺮه، وﻣﺎ ﻳﻤسه يمسهم .
وحرص المغرب على تجسيده في ﻛﻞ اﻟﻈﺮوف واﻷﺣﻮال، ﻟﻠﺘﺼﺪي ﻟكل اﻟﺘﻬﺪﻳﺪات اﻟتي ﺗﺘﻌﺮض ﻟﻬﺎ اﻟﻤﻨﻄﻘﺔ، ﺳﻮاء في ﺣﺮب اﻟﺨﻠﻴﺞ اﻷوﻟى، أو في ﻋﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة اﻟﺸﺮﻋﻴﺔ ﻟﻠﻴﻤﻦ، ﻓﻀﻼ ﻋﻦ اﻟﺘﻌﺎون اﻷﻣﻨي واﻻﺳﺘﺨﺒﺎراﺗي اﻟﻤﺘﻮاﺻﻞ…
الحرب الآن وضعت أوزارها، وتأكد السيناريو الأقل مأساوية وقل خطورة:
السيناريو الأكثر تخويفا هو أن يكون هناك نزاع طويل الأمد واشتعال إقليمي. لم يحدث ذلك، وابتعد شبح دورة حربية طويلة كما حدث في 1991و2003.
الحرب على شكل إيران/ العراق في الثمانينيات لم تحدث لغياب الحدود .
الاشتعال الإقليمي لم يحدث أيضا..
وبالتالي ….اندلعت الحرب وتم تدبيرها على قاعدة أو بمنطق النزاع المتحكم في سقفه! أي بمنطق الردع المتبادل .
والسيناريو الذي مالت إليه كل الأطراف هو سيناريو حرب الأيام الستة في 1976، أي القول بحرب خاطفة، تحدد الطرف الأكثر ضعفا والذي سيجلس إلى مائدة التفاوض والقبول بنتائج هذه الضربات.
والخلاصة بالنسبة لإيران:
خرجت من الحرب منزوعة العقل النووي والعقل القيادي، وأمامها الديبلوماسية لكي تحافظ على وضع اعتباري استراتيجي يمكنها من لعب أدوار في قدر المنطقة.
حافظت على نظامها، بالرغم من التلويحات الإسرائيلية بإسقاط النظام، وعلما بأن ذلك لم يكن بالسهل لاعتبارات أهمها أن القصف لا يسقط الأنظمة، كما أن حربا برية كانت مستبعدة كما في حالة ليبيا ومع غياب معارضة مسلحة.. أضف إلى ذلك أن القصف والدمار لم يؤت أكله في نموذج سوريا الذي حافظ النظام فيه على وجوده بالرغم من 14 سنة من الخراب.
إيران فهمت حدود التحالف مع الشركاء في روسيا والصين وباكستان، والتي لم تغامر معها في أي موقف عسكري، علني على الأقل والاكتفاء بالدعوة الديبلوماسية.
تبدو إسرائيل هي التي خرجت بمكاسب أكثر وليس نصرا:
حققت الأهداف التي حددتها لنفسها، بضرب القدرات النووية الإيرانية، وتأخير الإعلان عن صنع السلاح النووي، وبذلك صارت في وضع متقدم تنضاف مكاسبه إلى ما كسبته من تقليم أذرع إيران في لبنان وسوريا وفي غزة نفسها.. كما أن إسرائيل حققت مع ولاية ترامب ما لم تحققه مع الرؤساء الذين سبقوه منذ 2005 منذ بوش وأوباما وبايدن.. وصارت أمريكا حاضرة عسكريا واقتصاديا واستراتيجيا في المنطقة، وتدبير موقعها بحصرية غالبة..
في المقابل، أدركت بأنها لم تنتصر كليا لأنها ليست في مأمن، سواء في الفصل الأول مع أذرع إيران أو في الحرب مع إيران نفسها..
الأمريكيون، مع ترامب، أغلقوا الفصل الحربي وانتقلوا إلى ما بعد الحرب بسهولة، وبقرار .. كما أثبتوا أنهم اللاعب الوحيد في تدبير المنطقة، بالرغم مما قامت به الصين مثلا في التقريب بين إيران والسعودية، أو في التفاوض الروسي حول ما بعد الأسد..
في المقابل ظلت أوربا في موقع المتفرج العاجز عن فرض أجندته على حليفها ترامب، وعلى نتانياهو الذي لم يعد ينصت إليها مهما اجتهدت في الإعلان عن مساندته في حربه النووية ضد إيران..
ختاما، لا‮ ‬يمكن أن ننسى أصل الأشياء‮: ‬لقد تمت هاته الحرب باسم‮ ‬غزة‮ ..‬
منها بدأت‮.. ‬وانتهت في‮ ‬قطر‮ .. ‬
وهذا لا‮ ‬يجعل من الأصل عتبة منسية،‮ ‬بل ما‮ ‬يجب هو الحكم على ما حصل من هاته الزاوية، ‬ومفاده أن أهل‮ ‬غزة خارج المعادلة الآن‮؛
‮ ‬لا أحد‮ ‬يتحدث عنهم ومازالوا‮ ‬يبحثون بين ‬الأنقاض والخراب‮ ‬عن مكان لهم تحت الشمس، وفي‮ ‬معادلة ما بعد وقف إطلاق النار‮.. ‬وينحتون حلما في‮ ‬صخر‮. …‬يذوب من حر الرصاص‮!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 25/06/2025