تبون فرحان في أحضان «أردوغان»

عبد الحميد جماهري

بدا عبد المجيد تبون فرحا في أحضان أردوغان، ناسيا أنها الأحضان التي عانقت الرئيس الإسرائيلي قبله بأسابيع قليلة…
وظهر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون سعيدا وهو يُستقبل من طرف الطيب أردوغان، حيث بدأ يوم الأحد الماضي زيارة من ثلاثة أيام، في المجمع الرئاسي بالعاصمة حيث سبق للرئيس التركي أن استقبل الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتزوغ.
وتقدم تبون وهو منشرح الأسارير ليعانق أردوغان ويمشي جنبه على نفس الممر البروتوكولي الذي مر فوقه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتزوغ في مارس الماضي، عندما استقبل بالحفاوة نفسها التي طبلت لها الصحف الجزائرية…
وعبر هيرتزوغ عبر حسابه على تويتر، عن نفس الشعور الذي عبر عنه تبون، بل ناب عنه في ترجمة الأشواق الجياشة بعد الاستقبالين: «أنا ممتن للرئيس رجب طيب أردوغان على حفاوة الاستقبال هذه التي حظيت بها في المجمع الرئاسي…».
لم نسمع صحافة العسكر ولا محلليها الأفذاذ يطالبون بوقف العلاقات بين أنقرة وتل أبيب لعودة الحرارة إلى خط الاتصال بين الجزائر وتركيا…
ولم نسمع بأن العلاقات مع الدولة العبرية موجهة ضد الجزائر وضد استقرارها. ولا شنَّف أسماعنا التعبير المتذاكي لتبون، عندما كان يغمز ويلمز العلاقات الحديثة العهد بين المغرب وإسرائيل ويقول عنها إنها قديمة وإنها فقط »انفضحت وظهرت للوجود.
أبدا…. لم نسمع لذلك ركزا..
لماذا؟
لأن تبون كان بين أحضان راعيه وعرابه، وكان إرثَ
العثمانيين، للعثماني الجديد!
وربما لا يعرف الرجل الذي تخصص في تاريخ شمال إفريقيا والأمريكيتين! أن العلاقة بين تركيا وإسرائيل تعود إلى… مارس 1949، عندما كانت تركيا أول دولة ذات أغلبية مسلمة تعترف بدولة إسرائيل!
وعلى العكس من ذلك سمعنا كلاما آخر..
فهل سيملك الشجاعة والشفافية .. و«النيف» الحقيقي ليقول للشعب الجزائري، الذي يستعديه ضد المغرب بسبب استئناف علاقات ما زالت في بدايتها مع إسرائيل، هل سيقول للشعب الذي يريد لم شمله أنه:، في فبراير وغشت 1996، وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري…
هل سيقول بأن أردوغان، الذي لا نملك في المغرب ضده أي شعور عدواني، زار تل أبيب بعد انتخابه في 2005 عارضا أن يكون وسيطا للسلام في الشرق الأوسط؟ معلنا أنه يتطلع إلى بناء علاقات تجارية وعسكرية مع دولة إسرائيل؟ وأن الرئيس التركي وقتها أحضر مجموعة كبيرة من رجال الأعمال في رحلته التي استغرقت يومين، والتي تضمنت محادثات مع رئيس الوزراء أرييل شارون.. نعم آرييل شارون صاحب صبرا وشاتيلا، والمجزرة الكبيرة، كما قال «الغيوان»؟ هل سيجد لسانه أم سيعلن أن قطة أكلته في حالة شهية مفرطة، ليعلن للجزائريين بأن إسرائيل احتفظت ببعثتين دبلوماسيتين في تركيا، السفارة في العاصمة أنقرة، والقنصلية العامة في إسطنبول؟
وأن التبادل التجاري، ومنه ما يقرب من% 60 ذي طبيعة عسكرية، ارتفع إلى مرحلة غير مسبوقة ووصل إلى أكثر من 6 مليارات دولار في الفترة نفسها التي كان يتغنى بها تبون في الندوة الصحافية المشتركة، والتي لم تتجاوز حقوق الجزائر منها 4 مليارات دولار؟
هل يمكن أن يحلم بأن تكون الجزائر سادس أكبر شريك تجاري لإسرائيل كما هو حال تركيا اليوم ؟
لقد كان تبون منبهرا وهو يوزع الابتسامات والكلمات على الذين حضروا الندوة الصحافية وسمع بلحمة أذنه أردوغان يقول» إن بلاده والجزائر عازمتان على تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية«، فهل سيسمح بأن تكشف صحافته للجزائريين أن عقود الأسلحة بين تل أبيب وانقرة مثلت) (%69من قيمة ميزان التبادل التجاري بين البلدين؟ وأنه بالرغم من وقوع حرب غزة الأولى وحرب غزة الثانية لم تتأثر الأرقام التجارية والعسكرية بلغة الوعد والوعيد التركية، وأنّ تركيا اقتنت من تل أبيب عشر طائرات بدون طيّار من طراز «هيرون»، من تصنيع شركة «إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء» (Israel Aerospace Industries) (IAI)، وتعدّ تركيا من أبرز المستخدمين لهذا النوع من الطائرات المسيّرة،» وحتى بعد توجّه تركيا لتطوير طائرات بدون طيّار من إنتاجها لم يكن ذلك بمعزل عن «إسرائيل»؛ حيث فازت  شركات التصنيع العسكري الإسرائيلية وبالتحديد شركتيْ «إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء» (IAI)، وشركة «أنظمة إلبيت» (Elbit Systems)، بعقد لصالح دعم الطائرات التركية بدون طيّار بتقنيات متطورة«، كما كتبت مواقع عسكرية متخصصة…
فهل الصناعات الدفاعية التي تحتفل بها الجزائر هي غير التي تربطها مع إسرائيل، التي جعلت من أنقرة زبونا دائما عليها، ولعل المثال الذي تداولته المنابر والمنصات الإعلامية عن قيام تل أبيب بتحديث 54 طائرة تركية مقاتلة، وتزويدها بصواريخ جو- أرض، أحسن دليل؟
لقد كان الرئيس الجزائري منتشيا وهو يكتشف كلمات ذهبية ورنانة مثل السيادة في الصناعات العسكرية والمدنية وفي التعاون مع تركيا في «المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والثقافية والسياحية«، ولم يقل لشعبه إلى أين سيقوده منطق التعاون، وأين تقف الصناعة الإسرائيلية وأين تبدأ الصناعة التركية؟
أم يريد أن يستفيد بدون… ذنوب؟
ليس في نيتنا أن نشوش على اللعبة ولا على «الانتصارات» الدبلوماسية، ولا نقدم فهما لما يجمع البلدين، ودور الأزمة الليبية في الموضوع، ورهانات الغاز بين روسيا وأنبوب «ايست ميد»، ودور إسرائيل في حل معضلة التموين الروسي من الغاز لأوروبا والتلاقي بينها وبين تركيا.. كل هذه الأشياء يمكن أن تفهم بغير قليل من تصفح المواقع والتصريحات والتحليلات، نريد مع ذلك التشويش على الإذعان الامتثالي عند «تبون» لراعيه السابق، ونفاقه السياسي والاستراتيجي الذي يجعله يقدم المغرب كتهديد له بسبب سيادته في ربط العلاقات التي يريد، وميله إلى الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بدولة بعيدة عنه، قريبة من إسرائيل كل أنواع.. القرب!
لعل السر في العزلة القاتلة لدولة الجنرالات، التي لم تجد في جعبتها سوى الارتماء في الحضن التركي بدون «بنود الضمير» التي صرخت بها في كل دقيقة في وجه المغرب!

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 19/05/2022

التعليقات مغلقة.