جيل Z اخترق الشارع، والإعلام .. ودهاليز الحكومة

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com
أبو موسى الأشعري وعمرو بن العاص على… شاشة دوزيم!
نجح الحراك الشبيبي في أن ينتقل إلى المجال العمومي، ويقتحم فضاءاته، سواء في الإعلام العمومي أو في أروقة الحكومة نفسها. فقد صار موضوع خدمة وطنية، من خلال نقل نقاشاته من شبكات الغرف المغلقة والمعتمة، إلى فضاءات التلفزيون العمومي، في تجارب حققت الكثير من رهاناتها الجدية والنقاش المسؤول والتعددي، مرورا بالحكومة.
نلاحظ في ما يخص الحكومة أن نقاش الاحتجاج أصبح جزءا من شرعية وجودها:
أولا بحضورها في الإعلام، نفسه ( الأولى، ميدي1 تيفي، أو دوزيم )..
الزملاء أقاموا الدليل على مهنيتهم، وعلى قدرتهم على إدارة النقاش بين مكونات المعادلة الاحتجاجية الحالية بقدرة كبيرة، ولكنهم أيضا أثبتوا لنا أن السيادة الإعلامية شرط أساسي في بلورة الأجوبة على ما يقلقنا، بعد أن كانت القنوات الخارجية قد بادرت إلى تحويل نفسها فضاء لمناقشة القضايا المغربية بأصوات مغربية متباينة.
الحكومة إلى حد الساعة هي التي تهيمن من حيث نسبة المشاركين.
وهي أيضا موضوع ما يترتب عن هذا النقاش بحيث كان التباين واضحا بين مكوناتها التي تصرفت في الكثير من الأحيان باعتبارها تمثل نفسها، وليس المسؤولية الجماعية…
الخلاصة هي أن الاحتجاج فرض نفسه في الشارع كما في الفضاء الإعلامي الوطني كما في النقاش الحكومي. وهو أمر لا يمكن القفز عليه عند النظر إلى الحركية الغاضبة وتفاعلاتها السياسية..
المتابع لبعض المنابر والأصوات المحسوبة على رئاسة الحكومة، يمكن أن ينتبه إلى «تبرم صامت» من هاته الدينامية الإعلامية: وهو تبرم يكاد يرتقي إلى «الاتهام».
الأيام القليلة القادمة ستبين خيارات كل الأطراف الإعلامية، وخيارات رئيس الحكومة، الذي اكتفى فقط ببيان الأغلبية، والذي سكت عنه الجميع مرتين:
المرة الأولى عندما تم توقيعه باسم أغلبية لا صفة دستورية لها، والثانية عندما خرج كل حزب من أحزاب الأغلبية يدافع عن هامشه الذاتي في المسؤولية!
وهو ما انعكس في المشهد الإعلامي ..
===
في البرنامج الذي بثته القناة الثانية «دوزيم»، وأداره الزميل المهني جامع كلحسن، شدت انتباهي مفارقة عجيبة أعادتني، بالرغم من الفارق الزمني والسياسي، إلى .. حرب الخلافة!
من جهة كان الكلام الصادر عن ممثلي حزبين في الائتلاف الحكومي، الأمين العام لحزب الاستقلال، نزار بركة الرجل المحترم واللبيب والذي لا يمكن إلا ان تقدره، والشابة الناضجة كوكوس، عن حزب الأصالة والمعاصرة.
كلاهما تحدثا بعيدا عن الحكومة . بعيدا عن المسؤولية المشتركة التي تجمعهما مع المكون الثالث، حزب الأحرار .. .
من جهة أخرى كان الشباب أكثر احتضانا للـ «متهمين» من بينهم، وقد تحدثت شابة منهم «لعلها آية»، التي قالت «إن الشباب الذين قاموا بالتخريب، هم أيضا ضحايا، وهم منا ومن جينيراسيون زيد.. وإن قاموا بما قاموا به».
وعادت بي الذاكرة إلى قصة التحكيم في معركة علي ومعاوية….
وعاد لي مشهد أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص..
أحدهما كان يمثل عليا بن أبي طالب، والآخر يمثل معاوية بن أبي سفيان..
قال أبو موسى عند الخروج من خيمة الحوار: «أنا أخلع صاحبي»، وقال عمرو بن العاص: «أما أنا فلا».
كان يمكن أن نلجأ إلى المثال المغربي والقول بتنكيت، إنهما «تركا أخنوش وهما يتهامسان:ولد من هذا؟».
ويمكن أن نلجأ إلى جون واتربوري، والتفسيرات للسلوك السياسي المغربي في الستينيات وبقائه إلى الزمن الحديث، في ما يتعلق بالتحالف المبني على المناسبة، وميل السياسيين إلى أكل بعضهم البعض في كل منعطف، وهاته المقاربة يقدمها
الكاتب «تحت شعار واسع:يجب إضعاف القوي في اللحظة المناسبة».
لكن حضرتني هاته القصة بما تحبل به من معان أخلاقية بالذات لما فيها من قوة في تلخيص الوضع السياسي وطبيعة التحالفات. كما حضرتني أيضا من باب الحصن الأخلاقي الذي يتكلم من داخله الجيل الغاضب..
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 07/10/2025