حوار تبون: الواقعية المنبطحة و«النيف الاستراتيجي» !
عبد الحميد جماهري
تبون: ترامب لا يتحدث عن الفلسطينيين عندما يقول بتطهير غزة!!!!
لعل حوار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون كان محط متابعة واسعة داخل الرأي العام المغربي. ولعل ما أثار المتابعة أكثر، شطحاته المعتادة إزاء الصحراء المغربية، ووضعها في قلب الميزان للحكم على العلاقة الحالية والقادمة مع فرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون.
ينضاف إلى ذلك تصريحه عن الاستعداد للتطبيع مع إسرائيل، مع اشتراط لا جديد فيه، ولكن لا يمكن فهمه إلا في سياق الحوار كله!
ويبدو لي أن المتابعة، في غالبيتها، اعتمدت القصاصات التي نشرت عنه، لا سيما في ما يخص المصادر الإعلامية الفرنسية، وخصوصا وكالة فرانس بريس. وفي تقديري كان هناك تغييب لما هو أبعد من التطبيع، ويتعلق بمحاولة تأويل كلام رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب بخصوص الموضوع الذي يشغل بال كل العالم وهو ترحيل سكان غزة.
ومن الغريب أن تبون يريد أن يعطي تأويلا ملغزا لتعبير صريح، وفي الوقت الذي يمكن لأي طفل في الخامسة من عمره أن يفسر لنا ما أراد ترامب قوله، يجتهد تبون في إعطاء موقف غير مفهوم من منطوق كلامه.
دعنا نبدأ من حيث أغفل الكثيرون، البداية.! من غزة التي توعَّد الرئيس عبد المجيد تبون بأنه كان ينوي دخولها فاتحا لو أن مصر تركته يعبر بجنوده!
عن السؤال، الذي يخص فكرة دونالد ترامب تطهير أو ترحيل أو تهجير سكان غزة، في ترتيبات ما بعد الهدنة، جواب يثير الحيرة، لمن اعتقد بأن ساكن قصر المرادية ينصر غزة فعلا ظالمة أو مظلومة.
وللأمانة ننقل السؤال والجواب كما أجرته «يومية لوبينيون الفرنسية» في نهاية يناير، وبدأت نشر مضامينه في بداية فبراير الجاري.
Un dossier risque toute de même d’être source
de tension, celui de Gaza, que Donald Trump
dit vouloir « nettoyer » de sa population…
L’expression est malheureuse mais, dans son
esprit, il ne s’agit pas de la population palesti-
nienne qui a toujours eu des soutiens en Europe,
dans le monde arabe, en Afrique… L’OLP est re-
présentée à l’Unesco. Nous avons réussi à faire
reconnaître la Palestine par 143 Etats de l’ONU
comme membre à part entière. On ne va pas faire table rase de tout ce qui a été accompli
سؤال لوبينيون: هناك ملف من شأنه أن يكون مع ذلك مصدر توتر، وهو ملف غزة، التي يقول دونالد ترامب بأنه يريد» تطهيرها» من ساكنتها؟
جواب تبون: التعبير مؤسف..لكن، في روح هذا التعبير (أو في بال ترامب) لا يتعلق الأمر بالساكنة الفلسطينية التي تمتعت دوما بالدعم في أوروبا والعالم العربي وإفريقيا .. منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في اليونيسكو وقد نجحنا في حصول الاعتراف بفلسطين كعضو دائم العضوية من طرف 143 دولة في الأمم المتحدة .. لن نمحو محوا تاما كل ما تحقق!
راه شي حاجة أكبر من داك الشي ديال التطبيع وغير التطبيع!
خوتي خواتاتي .. شرحوا ليا واللا كذبوني واش هاد الشي اللي فهمتو من حوار تبون عبد المجيد واللا أنا وليت ما كانعرفش الفرنسية. مللي سولوه على تطهير غزة قال ليهم اسيدي «عبارة ترامب تعبير مؤسف.. (غير مؤسف) وزاد قالك إن تعبير السيد ترامب، في روحه، (أي في بالو) لا يعني الفلسطينيين أي لا يتحدث عن الفلسطينيين واييييه هانتوما كذبوني ..
بطبيعة الحال هذا التعسف على الحقيقة التي يعرفها العالم كله، ليس عفو خاطر أو سوء فهم أو ترميما بلاغيا لواقع مر يفوق تصور رئيس مهزوز، بل هو عمل مفكر فيه له أهدافه، إذا ما نظرنا إليه ضمن كل ما يتعلق بالولايات المتحدة الأمريكية في هذا الحوار.
ـ يتضح إن هناك مجهودا كبيرا لاستمالة صاحب القرار في واشنطن وتضخيم المواقف الأمريكية، وإن كنا نعرف بأن أمريكا، لا سيما مع شعار ترامب الحالي( أمريكا أولا ) لا يهمها من العالم سوى ما تحصده من مصالح، نشعر بأنه يفعل ذلك أيضا ضد ماكرون وفرنسا:
بخصوص طرد الشباب الجزائري من أمريكا كان جوابه التسليم بالقرار الأمريكي وبمشروعيته وصحته:
ـ سنقوم باستلام الجزائريين المقيمين فوق التراب الأمريكي بطريقة غير شرعية.
ـ لأن الطلب المقدم لنا قانوني.
ـ والرئيس الأمريكي ليست له خلفيات تجاه الهجرة الجزائرية في أمريكا!( وفي مضمرها ليس كما هو الأمر بالنسبة لفرنسا )..
بخصوص السؤال المباشر، في ما يتعلق بالعلاقة مع أمريكا ترامب، وفريقه السياسي، وما تنتظره الجزائر منها، جاء الجواب بما يفيد :
ـ علاقاتنا كانت دوما طيبة مع مختلف الرؤساء الأمريكيين..
ـ مع ترامب: عند ولايتي الأولى توصلتُ برسالة تهنئة منه بعد ساعات فقط من انتخابي عكس ماكرون الذي تعطل 4 أيام!
ولن ننسى أبدا أن أمريكا وضعت القضية الجزائرية في الأمم المتحدة .
ـ البلد الوحيد الذي توجد فيه مدينة باسم البطل الوطني الأمير عبد القادر .
ـ مشاريعنا الكبرى في عهد بومدين والشاذلي وبوتفليقة تحققت مع الأمريكيين في مجال المحروقات وغير ذلك..
وفي الحديث عما سماه عدم انحياز الديبلوماسية الجزائرية قال تبون:
ـ لدينا تبادل في القضايا الأمنية والديبلوماسية على مستويات عالية مع أمريكا.
ـ استقبلنا وفدا من حلف الناتو..
ويستفاد من كل ما سبق أن التصريح الخاص بغزة يكشف درجة سيولة غير مسبوقة دوليا، وصلت إلى حد التكهن بما يريده الرئيس الأمريكي من عبارة واضحة وضوح الشمس ووضوح المعاناة الفلسطينية.
وعليه، لا يمكن أن نتفاجأ من موقفه من التطبيع مع إسرائيل، إذا استحضرنا الموقف من التهجير أو التوطين..
ماذا سيقول الفلسطينيون الذين اعتبروا بأن الجزائر تقف وقفة مبدئية من قضيتهم ـ قضيتنا؟
لا حق لنا في أن نصادر رأيهم ولكن لنا الحق في أن ننتظر..
إلى ذلك، لن يلوم أحد الرئيس الجزائري إن بحث عن مصالح بلاده، واختار أن ينحني للعاصفة، وأن يتذكر أن في السياسة هناك الواقعية، على أن تكون نظيفة وأبية.. لكن ما لا يفهم هو هذا التذلل الذي دفع به أن يرى في موقف معروف دوليا ما لا يراه العالم كله!
(غدا نعود إلى تبون
فرنسا والصحراء والمغرب.)
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 04/02/2025