خطاب المسيرة المغرب يستكمل الشرط المادي الملموس من الحكم الذاتي

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

شكل الخطاب الملكي، في محوره المتعلق بالتنمية في الأقاليم الصحراوية، درسا بينا وملموسا في «ثقافة النتيجة» السياسية والاقتصادية. وبعد استكمال النموذج التنموي، الذي أطلقه جلالته في 2015، لسداسيته، جاءت النتيجة جد إيجابية، وهو بذلك صارت له شرعية المنجز الملموس على أرض الواقع.
وفي الواقع عندما ننظر إلى هذا «التمرين»، نجد أنه يتجاوز بكثير المعنى المتداول عادة في تقديم المنجزات، والوقوف عند نقط القوة فيها ونقط الضعف، إلى ما هو جوهري في تقدير العبد الضعيف لحكم ربه ونقصد بذلك أربعة مستويات على الأقل:
1 – تقديم المنجز التنموي جاء في إطار حديث الملك عن مقومات المنظور المتكامل الذي طبع دفاع المغرب عن وحدته الترابية، بمعنى آخر نحن أمام جدار تنموي، يعزز ويقوي ويستفيد من الجدار الأمني والجدار الديبلوماسي والروحي الذي يحصن به المغرب الأرض والإنسان ويقوي الانتماء الصحراوي المغربي.
فالتنمية، كما هي في هذا المنجز، تعتبر تجسيدا للتحرير المرتبط بالإنسان الصحراوي فوق تراب بلاده. وبذلك فالتنمية هي عماد من أعمدة الدفاع وهي في نفس الوقت تمكين الإنسان من ثمار الحرية .. ولعل ذلك يأخذ مجاله الأوسع والأهم في التحليل عندما نقارن، من جهة، بين ما ورثته المنطقة عن الاستعمار المتخلف في عقود طويلة، ومن جهة ثانية بالأوضاع التي تعيش فيها نسبة مهمة من أبنائنا وبناتنا في مخيمات العزل والقهر في تيندوف.
-2 هذه التنمية وترسيخها، هي إعطاء مضمون عملي ملموس للحكم الذاتي، في الشق الذي يعني الاستفادة من ثروات المنطقة، مجاليا وصناعيا وسياسيا وتجاريا… باعتبار ذلك شرطا من شروط الحكم الذاتي كما هو متعارف عليه دوليا.. ويتبين من الأدبيات الأممية والوثائق ذات الصلة أن الاستفادة من الثروات الموجودة في الأقاليم، التي أريد لها أن تكون منطقة نزاع إقليمي، هي في صلب تمكين الساكنة من تقرير المصير الفعلي ذي المردودية الإنسانية بكل أبعادها.
لقد وفر المغرب الشرط الوحدوي لتمثيلية السكان، باعتبارها الشرط التأسيسي لحرية اختيار الممثلين الذين يسيرون شؤون الإقليم، كما في تمثليهم في الموائد المستديرة.. وليس صدفة أن جلالة الملك ألح على تولي المنتخبين والسلطات المحلية تنزيل المشاريع وتحقيق فعاليتها الناجعة..
وعليه يبدو الشرط التنموي كما تم تحقيقه بمثابة الفصل الاقتصادي والاجتماعي من توفير شروط تنزيل الحكم الذاتي، وقد انتقل المغرب إلى مرحلة متقدمة منه، باعتبار النتيجة التي توصل إليها..
-3 لا يمكن أن يغيب عن الذهن، كون النموذج التنموي شكل المرجعية للنموذج التنموي الوطني، سواء بالترتيب الكرونولوجي، حيث كان سابقا عليه، قد وجد قبل تشكيل لجنة شكيب بنموسى وقبل إصدار التقرير التركيبي، بقرابة أربع سنوات..
وهوما يذكرنا بما سبق للملك الراحل أن قاله بخصوص استرجاع المغرب للصحراء، فقد سأله الصحافيون عن خطوة المغرب لاسترجاع الصحراء، فكان جوابه: من يدريكم بأن الصحراء هي التي استرجعت المغرب؟ باعتبارها الحاضنة الكبرى للدول التي تعاقبت على تدبير الدولة المغربية..
إن هذه الركائز الثلاث التي أوردناها تعطي للمغرب اليوم مصداقية الإنجاز لما تعهد به أمام المحفل الدولي، عندما تقدم بمقترح الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، فلن تبقى الأرض والإنسان معلقين ، ينتظران الحسم الدولي النهائي.. بل يقدم المغرب الواقع الجديد حجة على مصداقية ما يتعاقد عليه مع العالم، ومع الدول التي تسانده في مشروعيته ومشروعه التحرري…
ولن نبالغ إذا ما قلنا إن التعاقدات مع العمق الإفريقي، هي بذاتها مرتكز حقيقي في تحصين الإقليم المغربي باعتبار أن إفريقيا لن تسلم في قاعدة إقليمية جوهرية في تطلعاتها المستقبلية، وقاعدة مركزية في دخول العالم عبر البوابة الأوروبية، وتثمين ثرواتها النفطية والغازية، وهو ما تم تثمينه في المحور الثاني من خطاب الملك، في ترابط وثيق أعاد التاكيد على ما سبق الحديث عنه في خطابات سابقة..
ويتبين من خطاب المسيرة أن الحكم الذاتي، واقعيا، يبنى بالخطوات المتقدمة على طريق الحسم: وليس صدفة أن الملك الذي اعتاد أن يجعل من الخطاب مناسبة للتذكير بالمواقف والمكتسبات، لخص الوضع في وجود القضية في مرحلة حاسمة من تاريخها. وربما هي المرحلة المشرفة على التنزيل العملي للحكم الذاتي، في انتظار أن يلتحق ما تبقى من الأطراف الدولية به عبر مساندته الواضحة والحاسمة.
لقد انتهت القضية في العقول والذهنيات الدولية، وعلى أرض الواقع، وبقي أن تنتهي في الوثائق والأدبيات، التي صارت تتجه نحو جعل سنة وضع الحكم الذاتي هي السنة المرجعية في التحكيم القانوني الدولي الخاص بها، وهو التحول الذي ألغى ما سبق 2007 …

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/11/2022