سيادة لقاحية، «صنع في المغرب»

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

السيادة اللقاحية «صنع في المغرب»: سيدخل المصطلح إلى القاموس التداولي، من أعلى نقطة في الاعتزاز، كما سيتحقق، ضمن شبكة سيادية واسعة يمارسها المغرب ويقعد لها بخطوات متعددة ديبلوماسيا واقتصاديا وغذائيا ووووو.
وقد تمكن اليوم من وضع اللبنة الأساسية في مجال تحرير نفسه من الكثير من الإكراهات، فلم تمض سوى شهور معدودات على المباحثات الهاتفية، يوم 31 غشت 2020، بين جلالة الملك والرئيس الصيني، حتى أصبح الحلم واقعا، وانطلقت خطوات تفعيله، وهو على مستوى تدبير الجائحة تتويج للاستباقية الذكية والمقدامة، التي اعتمدها ملك البلاد منذ البداية.
لقد كان المغرب استباقيا، بقراءته الذاتية، أو لنقل السيادية، للواقع الوبائي الجديد في العالم، ولم يكتف بتتبع أساليب الدول الأخرى أو محاكاتها في التعامل مع الفيروس.
وهو ما جعله في حالة ذهنية متحررة من انتظارية النموذج الأجنبي، وأيضا كرس علامته المميزة في هذا الباب.
اتضح ذلك، منذ اعتماد الإجراءات الاحترازية إلى تصنيع اللقاح، مرورا باعتماد البروتوكول الصحي، والحجر المتشدد وتصنيع الكمامات وغير ذلك من سوائل التنظيف.
وكان المغرب قد دخل نادي الدول الأولى في تعميم التلقيح، ضمن خطة وطنية متبصرة ووثابة، بحيث حصل لشعبه على ما يلزم لتحقيق المناعة الجماعية، وكانت المرتبة التي احتلها المغرب في الترتيب الدولي، وما زالت، جد مشرفة…
والخطوة الحالية لسيادة بعلامة «صنع في المغرب» تتويج لإرادة أبانت عن أصالتها منذ البداية، وبذلك تصبح العملية التي أعطى ملك البلاد انطلاقتها، بتصنيع اللقاح محليا، لحظة فصل، وعلامة قوة، تكشف، في الواقع، عما يفوقها من حيث الدلالة:
أولا، تعتبر الخطوة جوابا عن حاجة ملحة للقاح في زمن وبائي متقلب ومتشابك ومتحور، إذا شئنا قاموس الوباء نفسه.
وهي ثانيا، خطة لتجاوز راهنيتها نحو بناء المستقبل، بنفس العلامة« «صنع بالمغرب» عبر الاكتفاء الذاتي.
وهي ثالثا، لحظة تدبير تكنولوجي للبيو صيدلة، ونقل الخبرات وبناء جسور التبادل العلمي، من زاوية خلق منصة إفريقية متحركة من شمال القارة إلى كل جهاتها.
وهي أخيرا وليس آخرا، قراءة لثلاثة إكراهات تطغى على صناعة التلقيح وتوفيره، لا سيما بالنسبة للشعوب خارج الدول الكبرى والقوية،غربا وشرقا.
أولاها، الاستعداد لدخول المغرب، والعالم برمته، في العصر الوبائي الدائم.
فكل الدراسات والتقارير والاستشرافات تقول بأن زمن الأوبئة لن يكون قصير العمر، وأن كوفيد التاسع عشر، ستكون له سلالات أخرى، وأن العالم مطالب بأن تكون له مصانع لأسلحة مواجهته.
والخطوة صناعة من الصناعات الثقيلة في أفق مواجهة هذه المخاطر الصحية، آنا ومستقبلا.
ثانيها، هو التحرر من التبعية إلى الخارج والاعتماد عليه في مسألة حيوية، من المنتظر أن تستأثر من الآن فصاعدا على كل المخططات والانشغالات في دول العالم.
وثالثها، التحرر من التقلبات السياسية، التي جعلت للقاح واللقاحات جيواستراتيجية كاملة وخاصة به.
وهنا لا بد من التذكير بالخيار المغربي بخصوص الشراكات الاستراتيجية، والتي اعتمد فيها على التنويع والقرار السيادي، مهما كانت شروط الصراع الجيواستراتيجي بين شركائه.
إن تدبير جيواستراتيجيات اللقاح لوحده يشكل هدفا كبيرا، وعصيا، والدول التي لن تستطيع تطوير صناعة لقاحها، ستتأثر سياسيا، بشكل سلبي.
شطرنج لقاحي يلعب في العالم، والدول، تواجهه بكل فيلته وشاهه، ونرى مثلا كيف أن أمريكا، الدولة العظمى، سعت إلى تحرير محيطه الهندي، والهادئ، من سيطرة الصين، بمنحها مجانا رخصة مختبرها للهند من أجل تصنيع مليار حقنة.
والواضح أن السيادة الصحية، اليوم، لا تقل عن السيادة في مجالات الجيواستراتيجية أو الاقتصاد أو السيادة المالية …إلخ، بل ربما تكون الامتحان المركزي فيها.

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 07/07/2021