طبيبة الفقراء وزوجها…الحقيقة وضدها!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

ماذا ينفع أن تزور لجنة مركزية من وزارة الصحة والتغطية الاجتماعية مدينة الداخلة، للتحقيق في قضية الطبيبة نزهة وزوجها طارق إذا كانت القرارات التأديبية قد صدرت، أو كان ما تبقى منها في طريقه إلى التنفيذ؟
لا أملك جوابا، ولا أسعى إليه.. حقا.
فلست أدري لماذا يعتريني شعور بأن إحالة طبيبة تشتغل في مدينة الداخلة على المجلس التأديبي، مباشرة بعد لقائها مع الوزير خالد آيت طالب، تشبه فخا محكما لهذا الأخير، لا يخلو من روائح الانتقام…فخ ما زال لم يعلن عن اسمه بعد، لكن تقديري الذي أجازف به في خضم المغامرة غير محمودة العواقب التي نسميها العمود الصحافي اليومي، هو أن الاحتياطي الاستراتيجي الأخلاقي والمعنوي للوزير، والذي ارتفع بشكل لافت بعد أن أحال ملفات تزكم رائحتها الأنوف على مجالس القضاء، يكون قد أقلق في مكان ما و»ضرَّ جهة« ما..
ولذلك يراد له أن يتآكل ولا شك من هذا الجانب.
ولست محبا للنظريات المؤامراتية لكني أشعر أن هناك من يريد أن يهمس للوزير: أنت أحلت الملفات على القضاء ونحن نحيل الأطباء العاملين في الجنوب على مجلس التأديب!
والهدف الذي أغامر مرة أخرى باحتماله هو أن يهدم بالقانون الداخلي ما قد تم بناؤه بالقانون العام!
أكرر أنني لست من هواة سيناريوهات الأفلام الجاسوسية، ولا من هواة التحليل الجنائي للإدارة، لكن عندما يختار الشيطان الإقامة في التفاصيل، فإن ذلك سلوكا بوليسيا عظيما وعتيقا في تاريخ علاقتنا معه.
وهو يفعل ذلك لأنه ينحو نحو تضليلنا بكثرة التفاصيل حتى أن فيلسوفا كبيرا مثل هيجل قال إن نقاش التفاصيل يكون مضللا أحيانا، وهذا النوع من النقاش يفضل أن يجرنا من تفصيل لآخر ليحدث الظلم المخطط له.
وعندما نسرد تفاصيل القضية في الدفاع الذي تتقدم به الوزارة، عبر تسريبات من هنا وهناك، لا نجد ما يشفي الغليل، بل نجد أن في الوزارة من يتحدى الطبيبة بأن تقدم لنا تفاصيل قرار الإحالة !
طيب ونحن نتحدى الوزارة بتقديمه للرأي العام بتفاصيله المملة..رغم القرابة الشيطانية بين التفاصيل والظلم في بيروقراطيتنا المعتادة، حفظها الله، من كل حسن تدبير !
يالله..
ولا يمكن أن تكشف الإدارة الجهوية في الداخلة كل هذه العيوب، مباشرة بعد أن راج فيديو عن لقاء الطبيبة والوزير، ولا أن تكتشف الهفوات بدون أن يكون الناس المستفيدين من عمل الطبيبة على علم بها.
شخصيا، بعد اطلاعي على ما قاله النقابيون، ولدي ضعف معلن ومع سبق الإصرار والترصد للنقابيين الفيدراليين في هذا الموضوع، وبعد قراءه شهادة الزميل زكريا ايت عبد المجيد الذي اشتغل طويلا في المنطقة واحتك بالطبيبة وزوجها، لا يمكنني أن أشكك في الدفاع الطوعي والفوري لهما، أو الميل إلى الشك بأنهما متهمان بالتربص الطويل للإدارة.. وغير مجد في ملتي واعتقادي أن أقارن بين شهادة الذين ارتادوا المستشفى وهم كثيرونو وبين البيانات غير الموقعة، فشهادة المرتفقين أهمُّ عندي من إدارة تتصيد الهفوات ـ إِنْ وجدت ـ لتصفية حساب، والزميل ايت عبد المجيد كتب يقول إن الدكتور استطاع »إجراء عمليات معقدة في جراحة العظام إلى جانب زملائه من الأطباء والممرضين، تضاهي تلك التي تجرى في كبريات المصحات الخاصة في الرباط والدار البيضاء، وبالمجان ! مثله في ذلك مثل زوجته التي يشهد لها الجميع بكفاءتها في مجال تخصصها (طب وتوليد النساء) وقد استطاعت إجراء تدخلات جراحية دقيقة، خففت على كثير من النساء قساوة التنقل إلى مدن تبعد عن الداخلة بـ1000 و 1500 كيلومتر« !
هناك شيء ما يجب أن يُجرَّ إلى… المنطق لكي نفهمه…فقد تجاوزت قضية الطبيبة وزوجها المأساة الإنسانية والمهنية الفردية وصارت بؤرة قلق مجتمعي عميق. لاسيما عندما نقرأ أن هناك من نظر في الملف وأصدر الحكم ونفذه بتكسير مكتب الطبيب الذي هو رئيس مصلحة، بعد زيارة الوزير التي اتخذت عندي معنى عميقا من جراء إحالة القطط السمان على القضاء، دون أن أصل إلى حد اعتباره رابحا في قمع الطبيب أو الطبيبة!
ليس في ما قيل من طرف الطبيبة ما يستوجب التأديب أو التعذيب.
بعض منها أقل بكثير مما يقوله المجلس الأعلى للحسابات وتقارير التفتيش و…ما يعرفه المواطنون.
إذا كانت حساسية مدينة الداخلة هي السبب، فدعنا نجيب بأن الأمر يستوجب دواء الحساسية لا المجلس التأديبي، لأن هذه الأراضي مغربية وأمراضها مغربية وأطباؤها مغاربة ..
لا فرق بين مريض ومريض إلا بالسكانير !
أمام الوزارة طموحات كبرى، آخرها ما دشنه ملك البلاد، ما يستوجب سُموا في التدبير وفي الأولويات.
وأهمها معضلة كبيرة تتطلب غير قليل من السمو والطموح وهي التغطية الصحية وأمامنا نقص فظيع في الأطر الطبية، حتى أننا صرنا من الأرقام التي تتداولها الدول والمنظمات في هذا الباب،
ما يغريني بالتشاؤم في هذه القضية، هو أنه كلما ارتبط اسم طبيب أو طبيبة ما بالفقراء إلا وسرعان ما نكتشف له كل عيوب الدنيا… والدين والمهنة والمجتمع !
ووزارة تهتم بالطب في بلادنا، لا بد لها من تشخيص مقنع وتحليلات مقنعة وراديوغرافية مقنعة…
يكون من المثير حقا أن يتم كل هذا التأديب، بما فيه وقف مصدر رزق الطبيب، قبل تأديب الطبيبة وحشرها في الزاوية، بدون مجهود لغوي مقنع في الترافع عن قرارات الإدارة !
الدكتور طارق والدكتورة نزهة امتحان نرجو أن ينجح فيه الوزير، الذي نترقب منه أن يكون سندا ضد إدارته إن هي تجاوزت في شططها مصلحة المرضى قبل مصلحة الأطباء…

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 12/05/2022

التعليقات مغلقة.