«عفاريت» ليبرالية الصنع!

عبد الحميد جماهري
=
الحكومة دستوريا مسؤولة أمام الشعب. وعليه فهي مسؤولة أمام سردين الشعب ولحوم الشعب وخضراوات الشعب وكمُّون الشعب.!
=
شكرا عزيزي السردين
لولاك لما عرفنا بأن هناك عفاريت ليبرالية.
شكرا لك لأنك تملك الشجاعة لإحباط كل آمالنا من الدستور الجديد وما اعتقدناه تربية سياسية جديدة باسمه!.
ولولاك ما تيقنا من قدرة حكومتنا على الغوص في البحر والبر والجو
ولولا عفاريتك الليبرالية الصنع لما عرفت الحكومة كيف تفسر ما تلاقيه من عنت في فرض الأسعار المناسبة لما نأكله
والأسعار المناسبة لما نحرقه من وقود.
وأسعار اللحوم والخضراوات..
الحكومة الحالية لا تتحدث طبعا عن »العفاريت«، الذين تحدث عنهم عبد الإله بنكيران، في زمن حكومي سابق..
لكن وزراءها، مثلهم مثل بنكيران، يتحدثون عن كائنات الظل تحت قبة البرلمان، رمز المسؤولية والمحاسبة يا حسرتاه!
ومثله لا يريدون الكشف عن أسماء التماسيح الليبرالية الجديدة، ويكتفون بالحديث عنها.
ومن ينصت إلى وزرائها، من قبيل الوزير المنتدب لدى وزارة المالية ووزيرة الطاقة والوزير مزور ووزير الماء، لا يجد الفرق، لأن النتيجة واحدة: وجود كائنات عصية على الإمساك، تتحكم في قرارات مصيرية للشعب المغربي المغلوب، وتعجز الحكومة عن تحمل مسؤوليتها إزاءها..
عفاريت الدواء والأضحيات والسردين واللحوم الحمراء والخضراوات.
الوزراء خريجو المعاهد العليا الحديثة لا يرْضون أن يعودوا إلى لغة المسيد للحديث عن العفاريت والتماسيح التي تسكن دواليب الدولة والمجتمع اللامرئية.
إنهم أكثر حداثة ..يميلون كثيرا إلى القواميس الأجنبية.
لهذا يفضلون الحديث عن المضاربين وعن اللوبيات التي تعاكس إرادة الجهاز التنفيذي.
والرابط الفارق بين قاموس بنكيران وقاموس الحكومة الحالية مفهوم في النهاية: بنكيران ، بطبيعة تكوينه الفقهي كان يتحدث بقاموس السحرة:
لكل عفاريته، ليبرالية إسلامية تحتاج إلى لغة الداعية..
ولعله فكر في لحظة قنوت روحي بِرد »المكتوب« المريب.
وبحث له عن رُقية شرعية..
الوزراء الحداثيون، درسوا في معاهد حديثة، لكنهم أيضا يؤمنون بقوى خارقة.. للقانون والطبيعة، ويقفون أمامها عاجزين لكنهم يفضلون تسميتها اللوبيات .
الليبرالية المستحدثة تحتاج إلى لغة «الماركوتينغ» لهذا تبحث عن عفاريت ليبرالية الصنع!
وفي كلتا الحالتين تكون المسؤولية، تلك التي دبجنا حولها دستورا بالكامل، مشروع أمنية، ولكن لا أحد يتحمل مسؤوليتها.
تارة تلجأ الحكومة إلى المسؤولية الإلهية: الجفاف. زلزال الحوز، الفيضانات.
تارة تعود المسؤولية إلى مزاج رؤساء دول بعيدة من قبيل فلاديمير بوتين وأطماعه الوطنية في أوكرانيا مثلا.
تارة تكون المسؤولية من أمراء الظلام في مختبرات «الكوفيد» البعيدة!
بين العفاريت واللوبيات، مع ذلك، اتصال : فأصل كلمة lobby يحيل على أماكن غريبة وفريدة ،غرفة الانتظار، أو البهو أو الردهة أو قاعة الخطوات الضائعة، وهي أماكن تسكنها عادة الخيالات، والجن…لهذا لا تبتعد لوبيات عزيز أخنوش عن عفاريت بنكيران!
طيب: كيف «»نفوسخ»« المغرب من عفاريت ليبرالية؟
كان المفروض أن الحكومة ونخبتها الراقية، من الرقي لا من الرقية، تملك مفاتيح معرفة هذه اللوبيات، فكفاءاتها جاءت من نفس الحقل، ومن نفس المسارات، المال والأعمال والمعرفة المستوردة من هارفارد والقرب من السلطة إلخ إلخ.. وهي »فقيهة« في هذه الأمور، ويمكن أن تحل المعضلة.
عوض الحل، اختارت الحكومة أن تتعايش مع »جنونها« في الأسعار، وبهم تفسر ما لا تستطيع له ردا لا لعجز فيها، بل لوجود شبهة زنا المحاكم الديموقراطي، بين المستفيدين من سياسة الحكومة والمستفيدين من اقتصادها..
في الحقيقة السؤال المقلق هو: ما الذي يمكن أن يفعله الدستور للعفاريت الليبرالية وغير الليبرالية الصنع؟
كنا جماعة من الحالمين اعتقدنا بأن الدستور الذي جمع، منذ المادة الأولى 1، المسؤولية بالمحاسبة يغنينا عن هاته الإرادة القاهرة للجوء إلى العيب في البحث بين المسؤولية والمحاسبة. وكنا مجموعة تعتبر بأن القطيعة الأهم في الدستور هي هذه بالذات، أي ربط المسؤولية بالمحاسبة. بما يعنيه ذلك من »عقلنة المسؤولية: لا عفاريت ولا عدسيات ولا سردينيات اقتصادية!
الحكومة تريد أن تقنعنا بأن سلطتها في التعيين لا علاقة لها بما يقع، مئات الآلاف من التعيينات وجدت لهذا الغرض المتعلق بالمسؤولية.. وعليه، فالحكومة مسؤولة عن أعمال الحكومة وليس هناك ما هو أشد بدهية من هذا!!!
وغير ذلكم من خطاب الوزراء هو تنصل من المسؤولية، وتقديم الحساب، بهاته الاستراتيجيات الخادعة، يجعل كائنات الظل هي المسؤولة، ويمنع الحكومة من أن تكون هي المسؤولة، وما على الشعب إلا أن يبحث عن هاته الكائنات لأن الحكومة مشغولة بالقضايا الأكبر من … الشعب وقوته اليومي. على الشعب أن يعي جيدا أن عليه أن يبحث للحكومة عن أعذار لعجزها، فتلك خدمة وطنية عالية..
لعل الحل يبدو من التسمية: نقترح للحكومة أن تمغربها وتصبح اللوبيات: سردينيات !
إن السياسيين المغاربة الجدد يملكون قدرة رهيبة للإقامة في المنطقة المادية المريحة بين المسؤولية واللامسؤولية. يمارسون السلطة ولا يغامرون بتحمل مسؤولية آثارها..!
وعليه تكون اللوبيات هي الاسم المستعار للحيلة الليبرالية في ممارسة السلطة بدون مخاطر، وما يشبه التأمين السياسي بالاستعارة!
الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 27/02/2025