على بعد ثلاثة أيام من المسيرة الخضراء .. عندما أعلن بوعبيد استعداد الاتحاد لإنشاء جيش التحرير من جديد!
عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com
تكون العودة إلى صحيفة الاتحاد ( المحرر )، في الفترة المتعلقة بما قبل انطلاق المسيرة وفترة انطلاقها مليئة بالمشاعر. تشبه زيارة خاصة إلى التاريخ في صيغته الصحافية الأولى.
لا تكمن اللذة في الاشتباك مع لحظة ما زالت تعيشها أمتنا، لحظة تحرير، بل في المعرفة التي يمكن أن تمدنا بها الانفعالات، اايه نعم معرفة الانفعالات، كما كانت تصنع الشعور الكفاحي لمناضلين وقادة، بعضهم سيغتال أياما قليلة بعد تلك المرحلة.
ما أثارني، وأنا أستسلم لمتعة الحفريات الإعلامية، أركيولوجيا الفعل الإعلامي الساخن، أن هذا الأخير يفاجئك بأنه يحتفظ بطرافته الانفعالية ويكشف عن عمق آخر في تتبع القضية، من موقع معارض، متفرد، يشترك مع باقي مكونات الذات الجماعية، التي يعارضها أو التي يتوافق معها، في الطاقة التحريرية وطاقات التغيير عندها.
وأنا أعود إلى الأسبوع الذي سبق صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. عثرت على كنزين ثمينين، لا شك أنني قرأتهما في زمن سابق، لكن التباعد الزمني نفسه هو الذي زاد من طراوتهما. اليوم في صبيحة 4 نونبر 2024، ونحن على بعد يوم واحد من الذكرى 49 للمسيرة ..
أولهما، تقرير عن استعداد قيادة الاتحاد لتكوين جيش التحرير من جديد وثانيهما، وثيقة عن بيان وجهته مجموعة الكويرة من عناصر. البوليزاريو إلى الأمين العام للأمم المتحدة وقتها كورت فالدهايم، عن معاهدة عسكرية إسبانية جزائرية، وعن «اعتقال 37 صحراويا من البوليساريو انفصلوا عنها تم اغتيالهم وطرح جثثهم للذئاب».
قرابة نصف قرن. مرت على ما أقرؤه الآن. وأول ما يجلب الانتباه هو كون المحرر الصادرة في يوم 14 أكتوبر، تنقل قرار الاتحاد بعقد دورة استثنائية للجنته الإدارية وقتها، يوم السبت 11 أكتوبر 1975، كان جدول أعمالها يتضمن نقطة فريدة، واحدة ووحيدة، هي تطورات القضية الوطنية. وبذلك تحدث الفقيد الكبير عن نقطة فريدة في خطابه التوجيهي أمام المناضلين وقتها.
وفي هاته الدورة، كان الفقيد عبد الرحيم بوعبيد يريد أن يرسل رسائل، على بعد 5 خمسة أيام فقط من جلسة محكمة العدل الدولية التي ستصدر قرارها يوم 16 من نفس الشهر، ومما فيه : من المرجح ألا يكون قرار محكمة العدل الدولية واضحا لصالح المغرب، وأن يبقى غامضا ليبقى لكل طرف أن يُؤوِّله أمام المنظمة الدولية حسب مصالحه»!
وقد كان كذلك. وهو ما سيؤكده عبد الرحمن اليوسفي، من لاهاي وقتها، وهو في المنفى، بالقول«: تنتظرنا معركة ضارية حول مفهوم تقرير. المصير»..
كان الوعي حادا وقتها، بالعديد من العناصر المؤثثة للمشهد الوطني:
-مجريات القرار الدولي
ـ مجريات الداخل الوطني
ـ الالتفاف على معركة التحرير.
وبخصوص «المسيرة الخضراء»، كانت اللغة الغالبة، سواء عند عبد الرحيم أو عند الاتحاديات والاتحاديين عموما، في المتابعة الإعلامية والتعبئة الوطنية، هو اعتبار المسيرة معركة تارة يسميها لسان الاتحاد «مسيرة العبور»، ولا يتردد في مقارنتها بحرب العبور من أجل تحرير سيناء، التي تمت في أكتوبر 73 عبر حرب نظامية بين مصر وإسرائيل. ويعتبر أن حرب التحرير لا تختلف لأنها ضد استعمارين متماثلين يستوليان على الأرض في مصر والمغرب. وتارات عديدة كانت تعتبرها« مسيرة التحرير للعبور التاريخي»، ساعدت« على تفجير طاقات التحرير.»
وفي التوقع الاستباقي الذي كان يطبع مواقف القوة الوطنية وفي قلبها الاتحاد، اعتبرت كلمة العدد أن «الهدف الاستراتيجي هو تحرير البلاد واستكمال وحدتها الترابية، وهو هدف لن يتحقق بسهولة في مدى قصير»، وكذلك كان، وصدق التوقع الاتحادي مرة أخرى.
وكان من قناعات الاتحاد أن الوضع الذي ستخلقه القرارات الأممية، والمناورات ذات الشرق وذات الشمال مع الجزائر وإسبانيا، ستجعله القوى المناهضة ذريعة لخلق الأمر الواقع في الصحراء. ولكن «يمكن للمغرب أن يغير من جميع المعطيات داخل الأمم المتحدة وخارجها إذا دخل معركة تكون الأراضي المحتلة ساحتها وميدانها».
العنصر الثاني في تحليل قيادة الاتحاد كان هو ربط اشتراطي يتطلب التسريع بوضع جدول زمني للفعل الميداني:إذا كان للخصوم موعد فليكن للمغرب موعد هو كذلك»!
ولا شك أن التلميح هنا ذاهب قدما نحو .. التواجد فوق الأرض!
وأن استشعار الخطوة التي سيقدم عليها المغرب، بعد قرار المحكمة حاضر هنا ومدعوم بصريح العبارة!.. ويزداد الوضوح عندما يدعو عبد الرحيم، رحمه الله، إلى .. حرب تحرير شعبية!
وفي هذا أقرأ بغير قليل من الانبهار: أن المغرب يملك كل مقومات هاته الحرب الشعبية.
وبعد أن يذكر عبد الرحيم بأن جيش التحرير استطاع أن يحرر وادي الذهب والساقية الحمراء ويدفع بجيوش الاحتلال إلى الانسحاب نحو البحر، في 1958! ينتقل إلى الدعوة إلى إعادة بناء جيش التحرير ويعلن بواضح العبارة ولا بتلميح معناها« نظرا لضخامة المسؤولية الوطنية المطروحة على عاتق كل مواطن في هذه البلاد، فإن الاتحاد الاشتراكي لا يتردد في القول : لو أتيحت له الفرصة لتحمل مسؤوليته في هذه المهمة الوطنية الكبرى، ولو مكنته الدول من الوسائل المادية الضرورية لما تردد في تحمل مسؤولية تكوين جيش التحرير».!
على كل سيتم تبني المسيرة باعتبارها البديل الموضوعي البشري لحرب التحرير واعتناق دعوتها والتعبئة من أجلها.
ونستشف من المتابعة اليومية التحركات الجزائرية المسعورة. ومحاولة الدعوة إلى «مسيرة مضادة» من طرف« الاتحاد الصحراوي» برعاية إسبانيا. كما نلاحظ الخلافات في التقدير وسط الخصوم بعد الارتباك من المبادرة المغربية بتنظيم المسيرة ودعوة «البوليساريو والجزائر إسبانيا من أجل تعبئة جيشها وقواتها لمواجهة المسيرة الشعبية ».
وبعد إعلان الملك الراحل عن المسيرة وانطلاقها، أرسلت يومية “لوموند” الروائي الطاهر بنجلون لمحاورة عبد الرحيم بوعبيد، ومما قاله الفقيد : الجزائريون سيطلبون من الإسبانيين البقاء في الصحراء طيلة الوقت الذي يسمح لهم بخلق كيان محمي من طرفهم .. » وفي معرض فضح تناقضات الجزائر قال عبد الرحيم : الجزائر تطالب بتقرير. المصير وحرية تعبير السكان ولا تطالب إسبانيا بجلاء قواتها وتلوذ بالصمت في موضوع الوجود العسكري ..».
عناصر عديدة تتوالى وتتماثل مع ما يحصل اليوم ويعاد تكرارها: ومنها التعبئة لدى الجزائر، عند انطلاق المسيرة بدعوى «أن الثورة في خطر»! وفي هذا تقول المحرر، بعبارات لا تخلو من رنة ساخرة:» لا يعتبرون ثورتهم بخير إلا إذا كان المغرب والشعب المغربي ضعيفين»،…..
أما الوثيقة عن الاتفاق ضد المغرب بين الاحتلال ونظام« الثورة» الشرقية فهي موضوع الغد!
الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.com - بتاريخ : 05/11/2024